أسرار الجالية اليهودية السوريّة تخرج إلى العلن

2025.12.11 - 01:09
Facebook Share
طباعة

 أعلنت الحكومة السورية، الأربعاء 10 كانون الأول، منح ترخيص رسمي لأول منظمة متخصصة في حماية التراث اليهودي داخل البلاد، خطوة وصفها مسؤولون ومراقبون بأنها تحمل رسالة سياسية وثقافية في الوقت نفسه. يأتي هذا الترخيص في وقت يسعى فيه النظام السوري إلى إعادة تأكيد دوره كدولة جامعة لجميع مكوناتها الدينية، بعد عقود من التهميش والانحسار الكبير للجالية اليهودية في البلاد.

المكتب الصحفي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أوضح أن المنظمة ستكون معنية بحفظ التراث اليهودي السوري، وأن تفاصيل إضافية حولها ستُنشر قريبًا عبر المنصات الرسمية للوزارة. وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية، هند قبوات، إن إشهار المنظمة يرسل رسالة مفادها أن الدولة “لا تميّز بين دين وآخر”، مشيرة إلى أن الحكومة الحالية تسعى لإشراك جميع السوريين من مختلف الطوائف في عملية بناء الدولة الجديدة.

المنظمة أسسها عدد من أبناء الجالية اليهودية السورية في الخارج، ووفقًا للحاخام السوري الأميركي هنري حمرا، فهي تسعى إلى إحصاء الأملاك اليهودية ومتابعة إعادة المصادَر منها خلال حكم النظام السابق، إلى جانب حماية المزارات والكنس اليهودية وترميمها لتكون متاحة للزيارة “لكل اليهود في العالم”. ويعكس هذا المشروع اهتمامًا واضحًا بإحياء الذاكرة التاريخية للجالية اليهودية التي كانت جزءًا لا يتجزأ من النسيج السوري لقرون قبل الميلاد، قبل أن يتقلص عددها إلى بضعة أفراد بفعل الصراعات والتوترات السياسية والقيود المفروضة على سفرهم حتى عام 1992.

شهدت دمشق خلال العام الحالي زيارات لوفود من اليهود السوريين، كان أولها في شباط بمشاركة هنري حمرا ووالده يوسف حمرا، الحاخام الأكبر للجالية في نيويورك، والذي غادر سوريا بعد رفع الحظر عن السفر من قبل الرئيس السابق حافظ الأسد. كما التقى الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وفدًا من الجالية اليهودية في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي. هذه التحركات تشير إلى رغبة دمشق في إعادة فتح قنوات التواصل مع جالياتها التاريخية في الخارج، وطمأنتهم بشأن مستقبل التراث اليهودي في البلاد.

منذ عقود، تقلصت أعداد اليهود في سوريا من نحو خمسة آلاف شخص إلى عدد قليل جدًا، بفعل عوامل عديدة، أبرزها الصراع العربي–الإسرائيلي والقيود المشددة على حرية الحركة والسفر خلال حكم حافظ الأسد. واليوم، يسعى الحاخام حمرا وفريقه إلى توثيق الأملاك اليهودية، والتي شُرِد أصحابها أو تم الاستيلاء عليها في فترات سابقة، والعمل على استرجاعها ضمن مسار قانوني، بما يعزز حماية التراث الثقافي والديني للجالية اليهودية.

وبحسب ما ذكره المدير التنفيذي لمنظمة “السورية للطوارئ” معاذ مصطفى، فقد جرى إحصاء عشرات المنازل اليهودية التي صودرت خلال فترة حكم بشار الأسد، وما زال العمل مستمرًا لتوثيقها ووضعها تحت حماية قانونية. ويشير رئيس الطائفة الموسوية لليهود في سوريا، بيخور شامنتوب، إلى أن حي الأمين شهد استيلاء الفصائل على نحو 30 منزلًا يخص اليهود المغتربين في الولايات المتحدة وأوروبا، وأن محاولات استعادتها اصطدمت بمقاومة قانونية وسياسية من الجهات المعنية آنذاك.

تأتي هذه الخطوة في إطار رؤية أوسع للحكومة السورية لإظهار الانفتاح على التنوع الديني ومراعاة حقوق الأقليات، فضلاً عن إعادة بناء جسور الثقة مع الجاليات التاريخية خارج البلاد. إذ يرى مراقبون أن إشهار المنظمة لا يقتصر على البعد الثقافي أو الديني فحسب، بل يحمل أيضًا رسالة سياسية واضحة مفادها أن سوريا تسعى لاستعادة صورتها كدولة جامعة، تحمي حقوق جميع مواطنيها بغض النظر عن الانتماء الديني.

إن تأسيس هذه المنظمة يمثل محطة تاريخية للتراث اليهودي السوري، ويعكس رغبة في الحفاظ على الموروث الثقافي والديني بعد عقود من الإهمال، مع توفير مساحة للجالية اليهودية للتواصل مع تاريخها وممتلكاتها، والمشاركة في إعادة إحياء جزء مهم من الهوية السورية المتعددة. وفي الوقت الذي تعود فيه سوريا تدريجيًا إلى هذه السياسات الرمزية، يبقى السؤال حول مدى قدرة هذه المبادرة على تحقيق أثر ملموس على الأرض، لا سيما فيما يتعلق باسترجاع الأملاك وحماية المزارات من الإهمال أو التجاوزات المستقبلية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 3