يستمر ملف المهجّرين من مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض في الواجهة بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، مع تجدد مطالباتهم بضمان العودة الآمنة والطوعية إلى منازلهم التي نزحوا منها خلال العمليات العسكرية التي شهدتها تلك المناطق بين عامي 2018 و2019.
ظروف النزوح ومأساة المعيشة
بعد تهجيرهم، استقر جزء من الأهالي في منازل مستأجرة داخل شمال شرق سوريا بانتظار إمكانية العودة، بينما لجأ معظمهم إلى مخيمات عشوائية تفتقر للاعتراف الدولي، ما جعلهم عرضة لظروف قاسية تشمل ضعف الخدمات الصحية، تراجع التعليم، وانعدام فرص العمل. ويؤكد المهجّرون أن هذه الظروف تمثل انتهاكًا لحقوقهم الأساسية، وعلى رأسها الحق في السكن والأمان والعودة الطوعية.
مطالبات بتطبيق اتفاق “10 آذار”
ويرى المهجرون أن تغير الظروف السياسية الأخيرة زاد من آمالهم في العودة، إلا أن وجود مجموعات مسلّحة في مناطقهم السابقة وسياسات أطراف إقليمية ما تزال تشكل عائقًا. ويطالب الأهالي بتطبيق اتفاق “العاشر من آذار” الذي ينص على توفير ضمانات سلامة وعودة آمنة لهم.
وفي شهادات سكان من المناطق المتضررة، قال أحد مهجري رأس العين إن منزله ما يزال خارج نطاق قدرته على الوصول، مشيرًا إلى تهديدات يتلقاها من جهات تسيطر على المنطقة، فيما أشارت مهجّرة من عفرين إلى الظروف الصعبة داخل المخيمات، مؤكدة أن حياة المهجّرين “لا تزال بعيدة عن أي معايير حقوقية”.
دعوات حقوقية لمعالجة الملف
يدعو تقرير حقوقي محلي إلى اتخاذ إجراءات فورية تضمن عودة المهجرين إلى مناطقهم بدون شروط، ومحاسبة الأطراف المتورطة في الانتهاكات المرتبطة بالنزوح والاعتداء على ممتلكات المدنيين. كما يؤكد التقرير ضرورة وقف التضليل المتعلق بتوصيف الانتهاكات، والعمل على آليات شفافة لمساءلة الجناة.
أرقام صادمة للضحايا في عام 2025
وبحسب إحصاءات حقوقية، قُتل 6956 مدنيًا منذ بداية عام 2025، بينهم 537 امرأة و483 طفلًا، إلى جانب مئات الضحايا الذين سقطوا في حوادث ذات طابع طائفي. كما وثقت التقارير مقتل 1683 شخصًا في مناطق مختلفة ضمن حوادث مصنفة كمجازر، و1558 آخرين في السويداء، وسط مطالبات بتحقيقات مستقلة تكشف المسؤوليات.
استمرار الانتهاكات
ويشير التقرير إلى استمرار حالات الخطف والقتل، والانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاعتداءات بحق النساء من مختلف المكونات، إلى جانب قضايا الاختفاء القسري والاحتجاز غير القانوني. ويؤكد أن هذه الانتهاكات ليست حالات فردية، بل ممارسات ممنهجة تتم في ظل غياب المساءلة.
المشهد السياسي والحقوقي
في دمشق، شهد قصر المؤتمرات انطلاق فعالية اليوم العالمي لحقوق الإنسان لأول مرة داخل سوريا، بتنظيم مشترك بين وزارة الخارجية ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وبمشاركة وفود دولية ومحلية. وأكد وزير الخارجية خلال الافتتاح أهمية تعزيز حقوق الإنسان، معتبرًا أن المناسبة كانت سابقًا منصة لانتقاد السلطات السابقة، فيما تمثل اليوم خطوة لتكريس احترام الحقوق.
خطوات دولية وملاحظات أممية
وأكّد مسؤولون في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن سوريا ستُحيي اليوم العالمي لحقوق الإنسان رسميًا لأول مرة، معتبرين ذلك مؤشرًا على مرحلة جديدة من التعاون. وأوضحت المفوضية أن فريقًا دائمًا يعمل الآن في دمشق بعد سنوات من المتابعة من خارج البلاد.
تقارير دولية حول العدالة الانتقالية
وفي تقرير دولي صادر بمناسبة مرور عام على التغيير السياسي، أُشير إلى خطوات إيجابية في مسار العدالة والشفافية، من بينها تأسيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، والسماح للمجتمع المدني بالعمل بدرجة أكبر من الاستقلالية، والانفتاح المتزايد على المنظمات الإنسانية.
دعوات لإشراك جميع المكونات
ويشدد التقرير الحقوقي على أن حقوق الإنسان لا يمكن تحقيقها دون مشاركة كاملة لجميع المكونات السورية في العملية السياسية، محذرًا من أي نهج يُقصي أطرافًا بعينها، باعتبار أن الإقصاء كان من الأسباب الرئيسية للاحتقان السياسي قبل عام 2011.
مطالب ختامية
ويجدد التقرير الدعوة إلى:
وقف العنف والانتهاكات فورًا.
حماية المدنيين وضمان سلامتهم.
محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات.
إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي.
كشف مصير المفقودين والمختفين قسريًا.
ضمان العودة الآمنة والطوعية للمهجّرين واللاجئين.
دعم مسار العدالة الانتقالية وبناء مؤسسات شفافة تحترم حقوق الإنسان.