شهد الملف السوري تطوراً بارزاً عقب إعلان تنظيم داعش تنفيذ هجوم ضد عناصر من الجيش السوري على جسر سراقب بريف إدلب، وهو تصريح يعد الأول من نوعه منذ سقوط النظام السابق، حيث أكد التنظيم عبر منشوره الدوري تنفيذ عملية أسفرت عن مقتل عنصر وإصابة آخر.
ويظهر هذا الإعلان أن التنظيم انتقل من الخطاب التحريضي السابق تجاه الحكومة السورية إلى تنفيذ عمليات مباشرة ضد مواقعها، رغم أنه لم يعلن بشكل رسمي دخول حرب مفتوحة مع الدولة السورية.
وخلال السنوات الماضية، تركز نشاط التنظيم بشكل رئيسي في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلا أن الهجوم الأخير دفع إلى طرح تساؤلات حول الدوافع والمعطيات التي جعلت التنظيم يوسّع نطاق عملياته نحو مناطق تتبع للحكومة السورية.
ويرى مراقبون للشأن السوري أن التطور قد يكون مرتبطاً بانضمام سوريا مؤخراً إلى "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب، معتبرين أن هذا الحدث أعاد صياغة العلاقة بين الطرفين وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المواجهة. وتشير تحليلات إلى أن انضمام سوريا إلى التحالف جعل من دمشق جزءاً من القوة الدولية المناهضة للتنظيم، ما قد يدفع داعش لزيادة الضغط عبر عمليات نوعية.
من جهة أخرى، يعتقد متابعون أن دمشق ستكون في المرحلة المقبلة في موقع "الواجهة العسكرية" ضد التنظيم، وأن الفترة القادمة ستشهد تصعيداً في العمليات التي تستهدف الجيش السوري، مع توقعات بحدوث تغييرات في نهج داعش وأساليبه.
ومنذ خسارة التنظيم آخر معاقله في بلدة الباغوز بريف دير الزور عام 2019، تراجع تركيزه على السيطرة الجغرافية، مقابل العمل على إعادة تشكيل خلاياه المنتشرة في المحافظات السورية وزيادة جاهزيتها لتنفيذ هجمات متفرقة. ومع التطورات السياسية الأخيرة، رجّحت قراءات أن يحاول التنظيم استغلال المرحلة الحالية لتوسيع نشاطه.
وفي المقابل، كثّفت الجهات الأمنية والعسكرية السورية حملاتها ضد خلايا التنظيم في إدلب ودمشق ودير الزور وحلب ومناطق أخرى، خاصة بعد انضمام سوريا إلى التحالف الدولي، حيث تتواتر تقارير عن مداهمات وعمليات أمنية مستمرة.
وبالتزامن مع هذه التحركات، تبنى التنظيم مؤخراً هجوماً استهدف دورية للضابطة الجمركية السورية قرب بلدة الزربة في ريف حلب، وأسفر عن مقتل اثنين وإصابة اثنين آخرين، ما يعزز التقديرات بخصوص احتمالات التصعيد.
في المقابل، تقلل قراءات أخرى من فرضية دخول التنظيم في مواجهة شاملة مع الدولة السورية، وتشير إلى أن إمكاناته الحالية لا تسمح له بخوض صراع واسع، إضافة إلى أن ملف "قسد" ما يزال بالنسبة له أولوية عملياتية، حيث يرى التنظيم أن مناطق سيطرة قسد توفر له بيئة مناسبة لشن الهجمات.
وتشير آراء مختصين بمتابعة الجماعات المسلحة إلى أن إعلان داعش عن بعض عملياته ضد الدولة السورية يحمل بعداً رمزياً، يهدف إلى التأكيد على موقفه من الدول التي ترتبط بتحالفات مع الغرب، دون تغيير جوهري في أولوياته العملياتية التي ما تزال تتركز في الشرق والشمال الشرقي.
وفي اتجاه آخر، تشير تحليلات منشورة في مراكز أبحاث دولية إلى أن عدم اكتمال الاندماج الإداري بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي يزيد من مخاطر محاولات التنظيم لإطلاق سراح نحو 9 آلاف من عناصره المحتجزين لدى قسد، إلى جانب آلاف من النساء والأطفال المرتبطين به، وهو ملف ما زال يمثل تحدياً أمنياً كبيراً.
كما تحذر التقديرات من أن التنظيم، رغم تراجع قوته، ما يزال قادراً على تنفيذ هجمات مؤثرة خلال المرحلة الانتقالية الحساسة التي تمر بها البلاد، ما يدفع أطرافاً دولية إلى الدعوة لعدم تقليص الانتشار العسكري في سوريا قبل استكمال ترتيبات دمج القوات المحلية وإنشاء آليات أكثر استقراراً لمكافحة التنظيم ومنع استغلاله للفراغات الأمنية بين مناطق السيطرة.