تشهد المناطق ذات الغالبية العلوية في الساحل السوري—من اللاذقية وجبلة إلى طرطوس وصافيتا والدريكيش، مروراً بريف بانياس الجبل وريف طرطوس ومدينة مصياف في ريف حماة الغربي—التزاماً واسعاً وغير مسبوق بالإضراب الذي دعا إليه رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى، الشيخ غزال غزال، لمدة خمسة أيام.
ومنذ ساعات صباح أمس الأولى، أغلقت المحال التجارية والأسواق العائدة لأبناء الطائفة العلوية أبوابها بشكل شبه كامل، ما أدى إلى شلل تجاري وخدمي لافت في معظم المدن والبلدات الساحلية. المشهد عكس استجابة كبيرة للدعوة، التي جاءت احتجاجاً على ما وصفه الشيخ غزال بـ«تمكين ظلم جديد أشد بطشاً وأكثر استبداداً وإقصاءً وقسوة».
حراك ميداني ورسائل تضامن في مختلف البلدات
في موازاة الإضراب، انتشرت موجة واسعة من الرسائل التضامنية والكتابات الجدارية في قرى وبلدات الساحل، أبرزها: جبلة، الرملة، ضاحية تشرين، الزقزقانية، عين الراهب، عين الشرقية، وريف بانياس.
العبارات حملت رسائل واضحة:
«كلنا مع الشيخ غزال غزال… الإضراب حق وكرامة» «دم العلوي ليس رخيصاً» «مستمرون… لا تراجع»
وبحسب مصادر أهلية، فإن الدعوة جاءت كردّ معنوي على سلسلة أحداث «مهينة» بحسب وصفهم، ما جعل الإضراب تعبيراً عن غضب اجتماعي يتجاوز البعد السياسي، ويعبّر عن حالة تململ متراكمة داخل الطائفة.
تزامن الإضراب مع فعاليات “التحرير”
يأتي هذا الإضراب فيما شهدت المدن السورية إحياء فعاليات ذكرى «التحرير»، التي صادفت يوم أمس، حيث شهدت اللاذقية وطرطوس ومصياف تجهيزات لاحتفالات مركزية تُعدّ الأكبر منذ سقوط النظام السابق. ويُنظر إلى المشاركة الشعبية في الإضراب، بالتزامن مع هذه الفعاليات، بوصفها حدثاً ذا دلالات سياسية واجتماعية لافتة.
تنامي الأسئلة حول مستقبل العلاقة بين الطائفة والدولة
تُشير المستجدات إلى أنّ هذا الحراك الشعبي يفتح الباب أمام تساؤلات حول المستقبل السياسي والاجتماعي للطائفة العلوية في مرحلة ما بعد النظام.
ويترافق ذلك مع دعوات متزايدة لوقف الخطاب الطائفي وتأكيد حماية المدنيين والاعتراف بمعاناة المجتمعات المحلية التي دفعت أثماناً كبيرة خلال سنوات الحرب.
وتشير أوساط مراقبة إلى أن هذا الحراك يمثل تحوّلاً في المزاج العام، بعدما ظلّت الطائفة لعقود مرتبطة سياسياً بالنظام. إلا أن الغضب المتراكم، وتدهور الأوضاع المعيشية، وانعدام الثقة بالسلطات المحلية، دفع نحو هذا الموقف الجماعي غير المسبوق.
يُظهر الإضراب أنّ البنية الاجتماعية داخل الطائفة العلوية تشهد تحوّلاً عميقاً، إذ لم يعد الاعتراض محصوراً في النخب أو الأفراد، بل بات يأخذ شكل حراك جماعي منظم، يحمل رسائل سياسية واضحة.
الأسباب ليست طائفية بقدر ما هي مطالب متصلة بالكرامة، والعدالة، والشفافية، والرغبة بكسر إرث طويل من الاحتكار السياسي. كما يعكس الإضراب تراجع الخوف التقليدي الذي كان يقيّد المواقف داخل الطائفة، ما يجعل هذه اللحظة مفصلية في إعادة تشكيل العلاقة بين المكوّن العلوي ومؤسسات الدولة.