تتحرّك الدبلوماسية اللبنانية بوتيرة متقدمة في محاولة لإبعاد خطر توسّع الحرب جنوباً، مستندة إلى اتصالات داخلية وخارجية تهدف إلى خلق مناخ ضاغط على إسرائيل ودفعها إلى الانسحاب من النقاط التي تسيطر عليها ووقف الاعتداءات المتواصلة، والتعامل بجدية مع ملف الأسرى اللبنانيين ويأتي هذا الحراك في ظل اقتراب وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت في زيارة تمتد حتى الأربعاء، يلتقي خلالها الرؤساء الثلاثة وعدداً من القيادات السياسية والحزبية، في توقيت يعكس اهتماماً فرنسياً متجدداً بالوضع اللبناني، أمنياً واقتصادياً وسياسياً.
تتزامن زيارة لودريان مع أجواء حساسة تسبق سفر رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى سلطنة عُمان ووفق المعطيات المتوافرة، فإن لقاءه مع الموفد الفرنسي سيخصص لبحث التطورات المتسارعة جنوباً والضغوط المطلوبة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية بالإضافة إلى تقييم عمل لجنة وقف العمليات العدائية "الميكانيزم" بعد دخول السفير سيمون كرم على خط رئاستها من الجانب اللبناني، بما يحمله ذلك من دلالات تتصل بعودة الدور المدني في مسار التفاوض الأمني.
وتتمسك باريس بمتابعة هذا الملف على مسارين متلازمين: الأول إقليمي يتعلق بحصرية السلاح وترتيب الوضع الحدودي، والثاني داخلي يركز على الإصلاحات المالية والاقتصادية وهي ملفات تعتبرها فرنسا أساسية لحشد الدعم الدولي للبنان، ولاسيما في المؤتمرات المرتقبة المخصصة للجيش وإعادة الإعمار وتشير مصادر سياسية مطلعة لوسائل إعلام عربية إلى أن المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة وتستند إلى استمرار التواصل مع الجهات اللبنانية، واعتبار خطوة تكليف شخصية مدنية بترؤس الوفد اللبناني في اجتماعات الناقورة مدخلاً لترسيخ الاستقرار وضبط التوتر.
يتصاعد منسوب الرهانات اللبنانية على الدور الفرنسي، تحديداً باريس تظهر اهتماماً واضحاً بتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وحضّ إسرائيل على الانسحاب من النقاط المحتلة جنوباً وتبرز في المقابل مواقف دينية وسياسية داخلية تعبّر عن ارتياح حذر فقد شدد البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد لقائه الرئيس عون على أن الجيش يقوم بواجبه في جنوب الليطاني، معتبراً أن المرحلة الحالية تفتح باب التفاوض، وأن السفير كرم يتمتع بالقدرة اللازمة لمتابعة هذا الملف.
كشفت مصادر حكومية أن بيروت تتحرك في اتجاه واحد: منع انزلاق المنطقة إلى مواجهة واسعة ومن هذا المنطلق، جرى الدفع نحو تعزيز الطابع المدني في التفاوض الأمني، في محاولة لتنفيس الضغوط الإسرائيلية، خصوصاً بعد محاولات تل أبيب طرح المنطقة العازلة والمشاريع الاقتصادية كمدخل لمطالب سياسية تتصل بنزع سلاح حزب الله وتشدد المصادر نفسها على أن التوجّه اللبناني واضح: الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، والعمل على إطلاق الأسرى، ومعالجة ملف النقاط المحتلة، بعيداً عن أي أفكار سياسية خارج هذا الإطار.
مع ذلك، يبرز اعتراض من حزب الله الذي لم ينظر بارتياح إلى تكليف شخصية مدنية بترؤس الوفد، معتبراً الخطوة تراجعاً غير مبرر، في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية ورفض تل أبيب الالتزام بموجبات الاتفاق ويشير مصدر نيابي لوسائل إعلام محلية إلى أن إسرائيل تستخدم كل فرصة لفرض شروط جديدة، المطلوب من لبنان التمسك بموقعه ورفض تقديم أي تنازلات إضافية.
في المقابل، ترتفع وتيرة الاتصالات على أكثر من خط لتهيئة ظروف تسمح بتثبيت التهدئة وكشفت المصادر نفسها أن اجتماع اللجنة الخماسية "الميكانيزم" الأسبوع المقبل سيكون محطة أساسية في تقييم المسار الحالي، خصوصاً بعد تسجيل تراجع نسبي في وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية.
ومع اقتراب زيارة لودريان، يبدو المشهد اللبناني محكوماً بمعادلة دقيقة: توتر جنوبي قابل للاشتعال في أي لحظة، ودفع دبلوماسي مكثف لإبعاده، وحاجة داخلية لإظهار وحدة قرار يمكن أن تشكّل فارقاً أمام المجتمع الدولي.