على ضفاف نهر الفرات في الريف الشرقي لمدينة جرابلس، تحوّلت رحلة صيد اعتيادية إلى مشهد دموي جديد يزيد من توتر المنطقة. فمع ساعات الصباح الأولى، استهدف قنّاص تابع لـ“قوات سوريا الديمقراطية – قسد” مجموعة من الصيادين الفلسطينيين والسوريين الذين اعتادوا ارتياد ضفاف النهر، ما أدى إلى مقتل شاب وإصابة آخر بجروح خطيرة نُقل إثرها إلى المستشفى وسط حالة ذهول بين الأهالي.
وبحسب المعلومات، فإن الاستهداف لم يكن تحذيرياً، بل جاء على شكل إطلاق مباشر من قنّاص متمركز على الضفة المقابلة للفرات، وهي منطقة تخضع لسيطرة “قسد”. ولم تتضح بعد أسباب هذا الاستهداف، فيما أغلق عناصر “قسد” المنطقة المحيطة بالواقعة لفترة قصيرة قبل أن يعود الهدوء الحذر إلى المكان.
موقع الحادثة: توتر يتجدد
تُعد منطقة جرابلس إحدى أكثر النقاط حساسية في ريف حلب، حيث تتجاور مناطق النفوذ وتزدحم خطوط التماس بين مختلف القوى. ويؤكد سكان محليون أن عمليات الاستهداف المتكررة باتت جزءًا من مشهد يومي يعيشه الأهالي، خصوصًا مع تكرار حوادث القنص من الضفة الشرقية تجاه المدنيين.
ويقول شهود عيان إن الصيادين لم يكونوا في منطقة اشتباك، بل في مساحة مكشوفة يستخدمها الأهالي منذ سنوات بغرض الصيد والترويح. ورغم ذلك، جرى إطلاق النار دون سابق إنذار، في حادثة ليست الأولى من نوعها خلال الأشهر الأخيرة.
انتهاكات تتصاعد ومشهد أمني مرتبك
في سياق أوسع، تشهد مناطق سيطرة “قسد” شمال وشرق سوريا انتقادات واسعة من منظمات حقوقية، تتهمها بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، سواء خلال عمليات المداهمة أو الاحتجاجات أو حتى في نقاط التفتيش. وتوثق تقارير محلية استخدام القوة المفرطة في عدد من العمليات الأمنية، ما أدى في غير مرة إلى سقوط ضحايا من المدنيين.
هذه الاتهامات تترافق مع حملات اعتقال مكثفة، ازدادت وتيرتها بعد التطورات السياسية الأخيرة وسقوط النظام المخلوع، حيث شملت الاعتقالات أشخاصًا جرى توقيفهم لمجرد حملهم صورًا للعلم السوري أو للرئيس أحمد الشرع، وفق روايات ناشطين. وفي حالات أخرى، وُجهت تهم متعلقة بالانتماء لتنظيم “داعش”، رغم تأكيد الأهالي أن هذه الاتهامات تُستخدم أحيانًا كغطاء لأسباب سياسية أو لتصفية حسابات محلية.
شهادات عن سجون مغلقة وتحقيقات قاسية
وتتحدث منظمات ونشطاء عن وجود انتهاكات داخل مراكز الاحتجاز التابعة لـ“قسد”، حيث جرى تسجيل حالات وفاة تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الطبي. هذه التقارير لا يمكن التحقق منها بشكل مستقل، لكنها تتكرر في شهادات الأهالي الذين فقدوا الاتصال بأقاربهم داخل تلك السجون.
من ضفة الفرات إلى المشهد السياسي
يرى مراقبون أن حادثة جرابلس ليست سوى انعكاس لحالة التوتر المتصاعدة شمال سوريا، حيث تتداخل المعارك القديمة مع الصراعات الجديدة، وتختلط ملفات الأمن بالسياسة، وتتقاطع مصالح القوى المحلية مع أجندات دولية وإقليمية.
ورغم محاولات التهدئة، فإن استمرار مثل هذه الحوادث يبقي المنطقة على حافة الانفجار، ويزيد من مخاوف السكان الذين يعيشون بين خطوط تماس لا تهدأ.