تشهد المؤسسات الحكومية في مناطق الإدارة الانتقالية بروز نظام وظيفي قائم على تمييز واضح بين فئتين من الموظفين، ما تسبب بخلق فجوة واسعة في الرواتب والامتيازات، وتشكيل حالة من الطبقية داخل قطاعات مختلفة أبرزها التعليم والإعلام والإدارة المحلية.
يعتمد النظام الجديد على فئتين رئيسيتين:
الفئة الأولى: وتشمل العاملين القدامى الذين سبق أن تولوا مهام ضمن هياكل الحكومة السابقة، إضافة إلى موظفين جرى تعيينهم عبر “تزكية” أو دعم مباشر من شخصيات نافذة.
الفئة الثانية: وتضم الموظفين الذين انتقلوا من مؤسسات كانت تتبع للنظام السابق، إضافة إلى موظفين جدد جرى تعيينهم وفق شهاداتهم وكفاءاتهم، أو من دون أي دعم خاص.
ورغم تشابه المهام والمسؤوليات بين الفئتين داخل القطاعات نفسها، إلا أن الفارق في الدخل كبير جداً، إذ يحصل موظفو الفئة الأولى على رواتب قد تصل إلى أربعة أضعاف رواتب زملائهم في الفئة الثانية. كما تُمنح الفئة الأولى امتيازات إضافية تشمل سيارات، منازل، ومكافآت دورية، في حين يبقى العاملون في الفئة الثانية بلا أي امتيازات تذكر.
تسبّب هذا التفاوت بتدهور الأوضاع المعيشية لشريحة واسعة من الموظفين، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 90% ممن قدموا من مناطق النظام السابق باتوا تحت خط الفقر، نتيجة تدني الرواتب مقارنة بارتفاع تكاليف المعيشة. وتظهر الفجوة بوضوح في قطاع الإعلام؛ حيث يتقاضى مدير سابق لإحدى الصحف المحلية في مركز مدينة حلب ما لا يتجاوز 90 دولاراً شهرياً، بينما يتقاضى مدير جديد للمنصب نفسه نحو 800 دولار.
ولا يقتصر الأمر على الرواتب، إذ يشهد قطاع الإعلام تحديداً ممارسات توصف بأنها “إقصائية”، حيث يتم استبعاد عدد من الموظفين القدامى من مهامهم أو تهميشهم، وصولاً إلى حظر عمل البعض دون توضيح الأسباب. كما جرى في بعض الحالات تجاهلهم بالكامل عند زيارات مؤسسات إعلامية خاصة أو أجنبية، إذ يتم استبعادهم مباشرة بعد معرفة أماكن إقامتهم السابقة.
وتشير المعطيات إلى أن جزءاً كبيراً من الإدارات القديمة في حلب تم استبدالها بشكل شبه كامل، مع الإبقاء على مدير واحد فقط، في خطوة وُصفت بأنها “شكلية” لإظهار الانفتاح، لكنها لم تغير من واقع التهميش المتزايد للكوادر القديمة.
هذه السياسات خلقت حالة من الاحتقان داخل بيئة العمل، حيث يشعر موظفو الفئة الثانية بأنهم يُتعامل معهم باعتبارهم “موارد خبرة” فقط، وليسوا جزءاً فعلياً من هيكل المؤسسات، في ظل غياب الشفافية في التعيينات والترقيات، واعتماد آليات تفاضل غير واضحة.
ويرى العاملون المشمولون بالفئة الثانية أن الوضع يتطلب إعادة مراجعة شاملة، واعتماد معايير عادلة وموحدة للرواتب والامتيازات، بما يضمن المساواة بين الموظفين، ويمنع تعميق الطبقية داخل المؤسسات الحكومية، ويعيد التوازن إلى بيئة العمل التي باتت تعاني من الارتباك والضبابية.