تعيش ليبيا اليوم مرحلة حسّاسة في التعامل مع ملف الهجرة غير النظامية، بعدما تحوّل من ظاهرة “عبور عابر” إلى معطى اجتماعي وأمني واسع التأثير فالمشهد لم يعد يقتصر على أفراد يحاولون التوجه إلى السواحل الأوروبية، وانما باتت ليبيا نقطة استقرار مؤقت — أو محتمل — لعدد كبير من المهاجرين، ما يطرح تساؤلات حول إمكان نشوء تغيّر ديموغرافي تدريجي داخل البلاد وسط غياب بنية رسمية قادرة على استيعاب هذا التدفق الضخم.
وخلال لقاء موسّع جمع وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي بعدد من السفراء وممثلي الدول، عرض الوزير تقديرات رسمية تشير إلى أن العمليات الأخيرة لترحيل المهاجرين أوضحت أن ما يقارب 70% من المرحّلين كانوا عائلات كاملة وهو تطوّر يعكس نمطًا جديدًا في حركة الهجرة، ولا يرتبط فقط بمحاولات العبور نحو أوروبا، بل بميل بعض المجموعات للاستقرار داخل ليبيا، مايثير قلق السلطات ويزيد التحديات الأمنية والخدمية.
ويقدَّر عدد المهاجرين الموجودين داخل ليبيا بأكثر من ثلاثة ملايين شخص، وهو رقم كبير بالنسبة لقدرات الدولة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والخدمية الراهنة. يتسبب هذا الوجود الضخم بضغط مباشر على قطاعات الصحة والتعليم والسكن، ويؤثر على الأمن الداخلي في مناطق عدّة، تحديداً تلك التي تعتمد على جهود محلية محدودة لإدارة الملف.
وأشار الطرابلسي خلال اللقاء إلى أنّ وزارة الداخلية باشرت منذ يوليو تنفيذ مشروع وطني واسع لترحيل المهاجرين غير القانونيين وجرى تنفيذ المرحلة الأولى عبر رحلات جوية منظمة بالتنسيق مع سفارات الدول الأصلية، وقد شهد شهر أكتوبر وحده ترحيل آلاف الأشخاص. وتركز هذه العملية على ضمان إعادة المهاجرين بطريقة تحفظ سلامتهم وتقلل من الفوضى داخل المراكز المنتشرة في البلاد.
كما شدد الوزير على ضرورة تعاون الاتحاد الأفريقي، مطالبًا بمشاركة أكثر فاعلية شبيهة بما تقوم به دول مثل النيجر ونيجيريا وتشاد والسودان، لضمان إعادة مواطنيها بآلية واضحة ومتفق عليها وأبدى استعداد ليبيا للتنسيق مع الاتحاد الأوروبي في حال قرر دعم البرنامج الوطني للترحيل، مؤكدًا أن حماية السواحل الأوروبية تبدأ من إدارة الملف داخل ليبيا وفق إطار يحفظ سيادتها وينظم عمليات الإعادة بشكل مدروس وفعّال.