يشكّل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في محيط قرية معرية بمنطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي تحوّلاً مقلقاً في طبيعة السيطرة التي يمارسها الاحتلال على الحدود الجنوبية لسوريا فالتضييق الذي يطال السكان، سواء عبر إطلاق النار العشوائي أو منع الوصول إلى الأراضي الزراعية والمراعي، لم يعد مجرّد حوادث متقطعة، وانما أصبح سياسة ضغط ممنهجة تكاد تعصف بالاقتصاد المحلي وتدفع الأهالي إلى أنماط عيش معقدة.
تُعد الأراضي الزراعية شمال القرية العمود الفقري لاقتصاد الأهالي ومع تقييد الوصول إليها منذ فترة طويلة، بدأت آثار الانقطاع تظهر بوضوح على مستوى معيشة السكان. المزارعون الذين كانوا يعتمدون على الزيتون والمحاصيل الموسمية فقدوا القدرة على استثمار أراضيهم، ما خلق فجوة اقتصادية واسعة دفعت كثيرين منهم إلى العمل بالأجرة اليومية. تحوّل المزارع من مالك منتج إلى عامل مياومة يكد يومياً لتأمين أساسيات العيش، في ظل ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والخدمات.
تجاوزت آثار الانتهاكات الاقتصاد لتضرب الأمن الاجتماعي عمليات إطلاق النار المتكررة التي يبررها الاحتلال باعتبارات “أمنية” خلقت حالة خوف دائم بين الأهالي، حادثة استهداف طفل يبلغ عشرة أعوام خلال توغل حديث ليست سوى مثال على انعدام الضوابط. وقائع سابقة، بينها إصابة الشاب عبد الله أحمد مصطفى، تعزّز شعور السكان بأن حياتهم مهددة خلال ممارسة أي نشاط يومي بسيط كزيارة مزرعة أو عبور طريق زراعي.
الضربة الأقسى طالت قطاع تربية المواشي، إذ اضطر عدد من الرعاة إلى بيع قطعانهم، وهي مصدر رزقهم الأساسي، بعدما بات الوصول إلى المراعي محفوفاً بالخطر بعض القطعان أُبيد مباشرة برصاص الاحتلال، كما حدث في مناطق قريبة من القنيطرة، ما أضاف طبقة جديدة من الخسائر على المجتمع الريفي الذي يعتمد تاريخياً على الثروة الحيوانية.
لا تقف آثار التضييق عند حدود الاقتصاد، وانما تمتد إلى الأمن الشخصي داخل المنازل. التوغلات المتكررة وعمليات التفتيش والاعتقال العشوائي تدفع الأهالي للعيش في حالة استنفار دائم اقتحامات الفجر وإطلاق النار خلال المداهمات تُحدث صدمات نفسية متواصلة لدى النساء والأطفال، في منطقة تفتقر أصلاً إلى استقرار أمني حقيقي منذ سنوات.
يشير هذا المشهد إلى تحوّل في شكل السيطرة الميدانية للاحتلال على التخوم الجنوبية السورية فالممارسات المتكررة لا يمكن فصلها عن مقاربة أمنية تهدف إلى تفريغ المنطقة من عناصر الثبات الاجتماعي والاقتصادي، ودفع السكان نحو الهجرة الداخلية أو تغيير أنماط الإنتاج بما يضعف حضورهم على الأرض هذا النوع من الضغط المركّب قد يخلق خلال السنوات المقبلة واقعاً ديموغرافياً هشّاً يسهل التحكم به، ولاسيما في منطقة ذات حساسية جغرافية مثل حوض اليرموك.
في المقابل، يفتقر الأهالي إلى أي دعم فعّال من الجهات الرسمية السورية، وفق وسائل إعلام محلية بينما تقتصر دعواتهم اليوم على مناشدة المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية لوقف الانتهاكات وتأمين وصولهم إلى أراضيهم وتعويض خسائرهم. إلا أن غياب ردع حقيقي للاحتلال واستمرار الصمت الدولي يجعل هذه المطالب أشبه بنداء استغاثة معلّق، يعبّر عن معاناة تتوسع بلا سقف.
تظهر حالة معرية نموذجاً واضحاً لتأثير الانتهاكات الإسرائيلية خارج نطاق المواجهة العسكرية المباشرة. فالاحتلال يمارس ضغطاً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً يؤدي إلى إضعاف المجتمعات المحلية من الداخل، وهو نمط من أنماط السيطرة غير المعلنة التي تغيّر الوقائع ببطء، لكنها تغيّرها بعمق.