تواجه المناطق الزراعية في ريف رأس العين شمالي الحسكة تحديات متزايدة نتيجة الأنفاق والخنادق الواسعة التي جرى حفرها قبل عام 2019، والتي ما تزال مفتوحة حتى اليوم، مسبّبة أخطارًا مباشرة على المزارعين ومؤثرة على الإنتاج الزراعي.
تشكلت هذه الأنفاق والخنادق كشبكة ممتدة على ما يقارب 50 كيلومترًا، تبدأ من مدينة رأس العين وتصل إلى حدود بلدة سلوك في تل أبيض، بعمق يصل إلى ثلاثة أمتار. وتشمل الشبكة أنفاقًا خرسانية تحت الأرض، إضافة إلى خنادق حفرت مباشرة في التربة، ما أدى إلى تضرر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.
تأثير مباشر على الزراعة
أدت هذه الأنفاق إلى انهيارات في التربة، وتعطّل عمليات الحراثة، وصعوبة إيصال مياه الري، ما انعكس سلبًا على المحاصيل الزراعية ودخل المزارعين. وباتت بعض الأراضي مقسّمة بشكل غير طبيعي بسبب وجود الأنفاق الخرسانية الطويلة، الأمر الذي فرض استخدام حلول بديلة ومكلفة لإمداد المياه ونقلها بين أجزاء الأرض.
كما ساهمت تجمعات المياه داخل الحفر الناتجة عن الخنادق في إتلاف المحاصيل وتقليل الإنتاجية بشكل واضح. وقدرت تكاليف ردم أو معالجة هذه الأنفاق بمبالغ مرتفعة، نظرًا لغياب المعدات الثقيلة في المنطقة وارتفاع تكلفة التشغيل، إذ تصل أجور الآليات اللازمة للعمل إلى أرقام كبيرة تجعل إصلاح الضرر شبه مستحيل بالنسبة للكثير من المزارعين.
ومنذ عام 2019، تسببت هذه الأنفاق بسقوط عشرات الأشخاص داخلها، معظمهم أطفال، إضافة إلى نفوق عدد من المواشي، ما زاد من حجم الأعباء على السكان.
تراجع خصوبة الأراضي
أدى وجود الأنفاق إلى انخفاض ملحوظ في خصوبة التربة، وفقدانها قدرتها على الاحتفاظ بالمياه والعناصر المغذية. وأصبحت التربة أكثر هشاشة، ومعرضة للانهيارات الجزئية، الأمر الذي جعل عملية الزراعة التقليدية أكثر صعوبة، وأثر سلبًا على إنتاجية المحاصيل في المنطقة.
كما باتت الأراضي بحاجة إلى معالجة هندسية عاجلة، تتضمن ردم الأنفاق باستخدام معدات متخصصة، وإجراء دراسات دقيقة للتربة بهدف تحديد مناطق الضعف ومعالجتها بشكل يضمن استعادة القدرة الإنتاجية الطبيعية واستمرار النشاط الزراعي دون مخاطر.
ضعف الإمكانيات وصعوبات الإصلاح
تواجه المجالس المحلية في المنطقة نقصًا في الإمكانيات اللازمة لمعالجة هذه الأضرار. فعمليات إصلاح البنية التحتية، مثل شبكات المياه والصرف الصحي، ما تزال متعثرة بسبب حجم الأضرار الناتجة عن الأنفاق.
ورغم إنفاق مبالغ كبيرة لإغلاق جزء من هذه الأنفاق داخل المدن، لم يتم إنجاز سوى نسبة محدودة منها. وتحتاج المنطقة إلى دعم حكومي وخارجي لتأمين المعدات والآليات الضرورية، وإنقاذ الأراضي الزراعية قبل تعرضها لمزيد من التدهور.
وتعتمد رأس العين بشكل شبه كامل على الزراعة، ما يجعل أي تراجع في خصوبة الأرض أو في توفر الخدمات الزراعية مؤثرًا بشكل مباشر على حياة السكان. كما أن ضعف البنية التحتية وقلّة فرص العمل قلّلا من القدرة الشرائية للسكان، في ظل تداول الليرة السورية، والليرة التركية بنسبة أقل، والدولار الأميركي بشكل محدود.
وتبقى المنطقة محاصرة من جهات عدّة منذ عام 2019، مما يحد من حركة البضائع والخدمات ويزيد من صعوبة إصلاح الأضرار المتراكمة في الأراضي الزراعية والبنية التحتية.