وسط أجواء متوترة تواجهها القارة، انعقد اجتماع رفيع المستوى في مدينة وهران غرب الجزائر، حضره وزراء خارجية أفارقة ومسؤولون في الاتحاد الأفريقي والأمين العام المساعد للأمم المتحدة المكلف عمليات حفظ السلم، لبحث التحديات الأمنية الكبرى التي تهدد استقرار القارة الاجتماع ركز على الأزمات في السودان، ليبيا، ومنطقة الساحل، وما يصاحبها من تصاعد في الانقلابات العسكرية ونشاط الجماعات الإرهابية.
الاجتماع حمل رسالة واضحة: الحلول للأزمات الأفريقية لا يمكن أن تأتي من خارج القارة. التوترات المتنامية في عدة دول تشير إلى هشاشة المؤسسات وغياب آليات مواجهة فعالة، الأمر الذي يضاعف المخاطر على شعوب المنطقة ويهدد السلم والأمن.
ضعف الدبلوماسية الأفريقية وامتداد التهديدات:
أكد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن ضعف الدور الدبلوماسي الأفريقي والغياب الملحوظ للمبادرات القارية زاد من فرص التدخلات الخارجية. الحروب المتواصلة في السودان، والأزمة الليبية التي تتجاهلها الساحة الدولية، فضلاً عن اضطرابات الساحل، جعلت القارة في حالة ترقب دائم، مع تحذيرات من تكرار الأزمات وتفاقمها إذا غابت الحلول المحلية الفاعلة.
في تحليله، أوضح عطاف أن ضعف الحضور الدبلوماسي الأفريقي أدى إلى تفاقم النزاعات، مشدداً على ضرورة مبادرات أفريقية متماسكة وفاعلة، تتسم بالحضور المباشر لدى الأطراف المتنازعة وتواصل مستمر مع مختلف الفرقاء، مع التركيز على طرح حلول عملية ومستدامة دون الاعتماد على القوى الخارجية.
تصاعد الانقلابات والإرهاب:
من جهته، حذر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، من تصاعد الانقلابات العسكرية، مشيراً إلى أنها تهدد استقرار القارة على المدى الطويل، كما تزداد تهديدات الجماعات الإرهابية في مناطق الساحل، القرن الأفريقي، حوض تشاد، وموزمبيق، مشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز الوقاية وتقوية الآليات الإقليمية.
وأشار يوسف إلى أهمية الحفاظ على الحلول الأفريقية للأزمات الأفريقية، مع الالتزام بسيادة الدول والقانون الدولي، منوهاً إلى جهود الاتحاد الأفريقي المستمرة عبر المنصات الدولية لإسماع صوت القارة، بما في ذلك مؤتمر طوكيو من أجل تنمية أفريقيا، مجموعة العشرين، وقمم الاتحاد الأوروبي.
دور الجزائر واستراتيجية مسار وهران:
يشكل "مسار وهران" منصة سنوية تتيح تبادل الخبرات بين الدول الأفريقية والمنظمات الدولية، وتهدف إلى توحيد الموقف الأفريقي وتعزيز الحلول القارية للأزمات تأسس هذا المسار عام 2013 في الجزائر العاصمة، وانتقل لاحقاً إلى وهران ليصبح مقرًا دائمًا للاجتماع، مع التركيز على الإرهاب، الجريمة المنظمة، الانقلابات، والاضطرابات الإقليمية.
الجزائر تسعى عبر هذا المسار إلى لعب دور محوري في استقرار المنطقة، مستفيدة من خبرتها الدبلوماسية وقدرتها على جمع الأطراف المختلفة. الأحداث الأخيرة في مالي، النيجر، وبوركينافاسو، مع محاولات الانقلاب ونشاط جماعات الفيلق الأفريقي، أبرزت أهمية تعزيز الحوار والمبادرات الأفريقية في مواجهة التحديات.
ضرورة حلول أفريقية مستدامة:
عطاف ركز في كلمته على أن القارة بحاجة ماسة إلى تجديد الالتزام بمضاعفة الجهود لصياغة حلول مستدامة، تعالج جذور الأزمات وتعزز التضامن الأفريقي الحلول يجب أن ترتكز على المبادرة الفعلية من قبل القارة نفسها، مع مواصلة التعبئة والدفاع عن مصالح أفريقيا في مراكز صنع القرار الدولية.
يوضح هذا التركيز على الحلول الأفريقية أن القارة تواجه مفترق طرق: إما تعزيز قدرتها على إدارة النزاعات داخليًا، أو استمرار اعتمادها على تدخلات خارجية تزيد الأزمات تعقيداً. كل المؤشرات تشير إلى أن المستقبل الأفريقي مرهون بقدرة الاتحاد الأفريقي والدول الأعضاء على التوحد والتصرف بحزم أمام التهديدات العابرة للحدود.
التضامن ومخاطر الغياب الدولي:
تظهر الأزمة الحالية هشاشة النظام الدولي في التعامل مع النزاعات الأفريقية الحروب التي استمرت لسنوات في السودان، والاضطرابات في الساحل، والأزمات الليبية، تسلط الضوء على فجوة دولية في الاهتمام بالقارة التأزم المستمر يزيد من المخاطر على الأمن والسلم الإقليميين، ويضع أفريقيا أمام تحدي تطوير أدواتها الذاتية لحماية مصالحها.
ختام الاجتماع.. دعوة للتكامل الأفريقي
انتهى الاجتماع بتأكيد أهمية تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية ومؤسسات الاتحاد الأفريقي، وتطوير استراتيجيات مشتركة للتعامل مع الانقلابات والإرهاب الحضور شدد على أن الحلول يجب أن تكون أفريقية، مع المحافظة على سيادة الدول، وتعزيز آليات الوقاية والاستجابة للأزمات.
المؤتمر أعاد التأكيد على أن استقرار أفريقيا لن يتحقق إلا بتضافر الجهود القارية، والاعتماد على القوة الدبلوماسية الأفريقية، مع الالتزام بمبادرات عملية، تحمي شعوب القارة من تداعيات النزاعات والتهديدات العابرة للحدود، وتضع أساسًا لمستقبل أكثر استقراراً.