شهد المكتب البيضاوي لقاءً لافتاً جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس بلدية نيويورك المنتخب زهران ممداني، في أجواء اتسمت بالترحيب والود رغم التاريخ الحافل بالتوتر بينهما، بما في ذلك وصف ترامب السابق لممداني بأنه “شيوعي”. إلا أن الطرفين تجاوزا خلافاتهما خلال هذا الاجتماع، مفضلين التركيز على القضايا المشتركة، وعلى رأسها القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة ومستقبل الازدهار في مدينة نيويورك.
اللافت في اللقاء لم يكن فقط مضمون النقاش، بل النبرة الهادئة التي ميّزته. فقد ظهر الطرفان في حالة انسجام مفاجئة، بينما تدخّل ترامب أكثر من مرة للدفاع عن ممداني أمام أسئلة صحفية حادّة. كما أعرب، بنبرة أبوية، عن أمله بأن تبدو صورة ممداني إلى جانب لوحة فرانكلين روزفلت “بشكل لائق”.
هذا التحول غير المتوقع من الطرفين أشعل مواقع التواصل الاجتماعي وأعاد رسم ملامح المشهد السياسي بينهما.
الرابح الأكبر: زهران ممداني
اعتُبر اللقاء انتصاراً سياسياً واضحاً لممداني، البالغ 34 عاماً، بعد أن نجح في إبراز نقاط مشتركة مع ترامب من دون التخلي عن مواقفه.
التهديدات التي لوّح بها ترامب سابقاً—من وقف التمويل الفدرالي إلى احتمال نشر الحرس الوطني—خرجت مؤقتاً من دائرة النقاش.
خصوم ممداني حاولوا خلال الأشهر الماضية تصويره كتهديد للقيم العامة، لكن الظهور مع ترامب، المدافع عنه خلال اللقاء، ساهم في تفكيك الكثير من تلك السرديات.
ورغم احتمال تعرضه لانتقادات من اليسار المتشدد، أكد ممداني تمسكه بمبادئه قائلاً:
“قد تكون هناك خلافات أيديولوجية، لكن ما نتفق عليه هو العمل المطلوب لجعل نيويورك مدينة ميسورة التكلفة.”
رابح مهم: دونالد ترامب
أظهر ترامب خلال الاجتماع مهارة لافتة في احتواء خصومه وتحويل اللحظة إلى حدث إعلامي كبير.
بتعامله اللطيف مع ممداني، ومحاولته إبراز القضايا المشتركة، قدّم ترامب نفسه بصورة أكثر سلاسة، وجذب جمهوراً أوسع، بما في ذلك فئة الناخبين القلقين من تكاليف المعيشة.
واستعاد ترامب، بأسلوب يكرره كثيراً، فكرة أن ناخبي بيرني ساندرز في 2016 انتهى ببعضهم إلى دعمه لاحقاً، مشيراً إلى وجود “قاعدة مشتركة”. كما أبدى موافقته على حديث ممداني بشأن الناخبين الذين دعموا ترامب في 2024 بسبب الأوضاع المعيشية.
ورغم هذا التماهي الظاهر، قد يواجه ترامب ردة فعل غاضبة من بعض جمهوره اليميني بسبب الود مع ممداني.
الخاسر الأكبر: الرسائل الجمهورية المهاجمة لممداني
جهود الجمهوريين في الكونغرس لتصوير ممداني على أنه تهديد متطرف تلقت ضربة قاسية خلال الاجتماع.
فعندما سُئل ترامب إن كان يشعر بأنه يجلس بجوار “جهادي”، كما وصفته إحدى الشخصيات الجمهورية، أجاب مباشرة:
“لا، لا أشعر بذلك. لقد التقيت رجلاً عقلانياً للغاية… يريد حقاً أن يرى نيويورك عظيمة من جديد.”
هذا الرد قوّض حملات الهجوم على ممداني، وأثر على محاولات ربط الديمقراطيين به كرمز للتطرف.
خاسر مفاجئ: المنتقدون في الإعلام
الأسئلة الصحفية الحادّة بدت سهلة التفنيد، سواء من ترامب أو ممداني.
وعندما سُئل ممداني عما إذا كان يعتبر الرئيس “فاشياً”، قاطعه ترامب ضاحكاً:
“لا بأس، يمكنك فقط أن تقول نعم… هذا أسهل. لا أمانع.”
هذا المشهد تحوّل إلى أحد أكثر اللحظات تداولاً، معبّراً عن طبيعة الاجتماع بأكمله.
الرابح الجوهري: مدينة نيويورك
بعيداً عن الكاميرات، يُتوقع أن يحمل اللقاء تأثيرات عملية ملموسة على مستقبل المدينة.
التقارب بين الطرفين قد يفتح الباب أمام تعاون يقلل من مخاطر القطيعة المالية السابقة، خاصة أن ترامب هدّد سابقاً بقطع نحو 7 مليارات دولار من التمويل الفدرالي.
تعهد ترامب بأنهما “سيعملان معاً” يصب في مصلحة المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الولايات المتحدة.
الخلاصة: اجتماع يستحق المتابعة
في نهاية اللقاء، أعرب ترامب عن سعادته بحجم الاهتمام الإعلامي الذي أثارته الزيارة، مشيراً إلى أنها حصدت متابعة تفوق ما تحققه زيارات قادة دول.
الحدث—سواء أحب المرء ترامب أو ممداني أو انتقدهما—كان مشهداً سياسياً لافتاً وجاذباً جلس فيه الطرفان على طاولة واحدة بعد سنوات من التصعيد والهجمات المتبادلة.