تتحرك واشنطن في الأسابيع الأخيرة داخل مسار تشريعي معقّد قد يحدد مستقبل واحد من أكثر القوانين تأثيراً على المشهد السوري خلال العقد الأخير، فالتجاذبات داخل الكونغرس حول مصير "قانون قيصر" لم تعد نقاشاً تقنياً بقدر ما أصبحت اختباراً لحدود السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ومدى استعداد واشنطن لتغيير أدوات الضغط التي استخدمتها منذ عام 2019 ومع اتساع ضغوط مجموعات ضغط عربية ودولية لإعادة النظر في العقوبات، بدت النقاشات وكأنها مفترق طرق بين مرحلة عقوبات مشددة ومرحلة جديدة يحاول بعضها الدفع باتجاهها.
الخلفية الأساسية لهذه التحركات ترتبط بعاملين: الأول، التأثيرات الاقتصادية القاسية التي خلّفها القانون على السوريين، من تعطيل الاستثمارات ومنع المساعدات وإعاقة الإعمار أما العامل الثاني فهو التحول الجيوسياسي في المنطقة، حيث تحاول دول عربية وإسلامية الدفع نحو مقاربة أكثر مرونة مع دمشق، على أمل إعادة إدماجها في محيطها وإطلاق مسار اقتصادي تدريجي.
وسط هذه التقاطعات، برزت ثلاثة سيناريوهات محتملة يجري تداولها داخل الكونغرس لتحديد مصير القانون.
السيناريو الأول، وهو الأكثر جرأة، يقوم على الإلغاء الكامل وغير المشروط قبل نهاية العام. هذا المسار يحظى بدعم مجموعة متزايدة ترى أن استمرار العقوبات لم يعد يحقق أهدافه، بل يفاقم الأزمة الإنسانية ويعرقل أي إمكانية لتغيير سياسي أو اقتصادي داخل سوريا.
أما السيناريو الثاني، فيقوم على الإبقاء على القانون مع تمديد تجميد بعض بنوده كل ستة أشهر. هذا الخيار يعكس توجهات حذرة داخل الكونغرس تخشى من رفع الضغط بشكل كامل، لكنها في الوقت نفسه تستجيب لضغوط دولية تطالب بتخفيف العقوبات تدريجياً. ويمثل هذا السيناريو صيغة وسطية تتيح للولايات المتحدة إعادة تقييم المشهد كل فترة، من دون اتخاذ قرار نهائي.
السيناريو الثالث، وهو الأكثر تعقيداً، يتمثل في تعديل القانون بما يسمح بإلغاء جزئي مشروط مقابل التزام دمشق بسلسلة معايير صارمة، إلى جانب "آلية عودة فورية" للعقوبات في حال عدم الامتثال. ويُنظر إلى هذا الطرح باعتباره محاولة للجمع بين تحسين الظروف الاقتصادية السورية من جهة، والإبقاء على أدوات الضغط السياسية والأمنية من جهة أخرى.
لكن رغم الحراك التشريعي، يبقى مصير "قيصر" مرتبطاً بعوامل أوسع: مواقف الدول المجاورة، التطورات الأمنية داخل سوريا، درجة الانفتاح العربي، وطبيعة الحسابات الأميركية في المنطقة.
ولذلك، فإن الأشهر المقبلة قد تشهد تعديل نهج واشنطن، لكن دون ضمان انتقال سريع من مرحلة العقوبات إلى مرحلة الانفتاح الكامل.