في خطوة لافتة، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، رفقة عدد من كبار المسؤولين العسكريين والحكوميين، جنوب سوريا، وسط تحركات إسرائيلية متواصلة على طول الشريط الحدودي. شملت الجولة وزير الخارجية جدعون ساعر، رئيس أركان الجيش إيال زامير، ورئيس جهاز الأمن العام ديفيد زيني، وركزت على تفقد المواقع العسكرية والالتقاء بالجنود الميدانيين، في رسالة واضحة لدعمهم وتشجيعهم على الحفاظ على جاهزيتهم القتالية.
الزيارة تأتي في سياق الجهود الأميركية الرامية لتوقيع اتفاقية أمنية بين إسرائيل وسوريا، والتي يبدو أن مفاوضاتها وصلت إلى طريق مسدود. حسب المصادر الإسرائيلية، تمحور الخلاف حول شروط الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي السورية التي سيطرت عليها القوات الإسرائيلية بعد 8 ديسمبر 2024 عقب سقوط نظام الأسد. إذ رفضت دمشق أي انسحاب محدود، مؤكدة على ضرورة انسحاب كامل قبل التوصل إلى أي اتفاق سلام، وليس مجرد اتفاق أمني.
من الناحية الإسرائيلية، تحمل الزيارة عدة رسائل. أولها التأكيد على استمرار إسرائيل في الحفاظ على وجودها العسكري في الجنوب، باعتباره موقعاً استراتيجياً لمراقبة الحدود وحماية مصالحها، بما في ذلك حماية الأقلية الدرزية في سوريا. نتنياهو شدد على أن أي تعاون أو تقدم في المفاوضات يعتمد على ما يحدث فعلياً على الأرض، في مؤشر على اعتماد إسرائيل على الإنجازات العسكرية والسياسية الفعلية كأساس لتقييم موقف دمشق.
الرسالة الثانية تتعلق بالقدرة على الضغط والردع. فإقامة الحواجز المؤقتة، والقصف المدفعي لمحيط تل أحمر، تظهر للعالم وللطرف السوري أن إسرائيل تمتلك القدرة على الحركة العسكرية في العمق السوري، وأنها لن تتردد في استخدام القوة لحماية مصالحها. هذا الأسلوب يكرّس ما يسمى بـ"الوجود الاستراتيجي الفعلي" في جنوب سوريا، ويرسخ موقف إسرائيل التفاوضي في حال استمرار المباحثات مع دمشق.
على الجانب السوري، أدانت دمشق الزيارة، واعتبرتها "انتهاكاً للسيادة ومحاولة لفرض أمر واقع يتعارض مع قرارات مجلس الأمن". تصريحات الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع أكدت أن بلاده قطعت شوطاً كبيراً في المفاوضات، لكنها لن تقبل بأي تسوية دون انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية إلى حدود ما قبل 8 ديسمبر 2024. وأوضح الشرع أن الوجود الإسرائيلي في سوريا ينبع من طموحات توسعية وليس مخاوف أمنية، مستشهداً بالهجمات الجوية الإسرائيلية التي تجاوزت ألف غارة منذ سقوط النظام السابق واستهدفت مواقع حكومية وعسكرية بارزة، رغم امتناع دمشق عن الرد حفاظاً على عملية إعادة البناء.
تحليل الزيارة يظهر أن إسرائيل تسعى لتحقيق عدة أهداف متوازية: أولها تهدئة الشارع الإسرائيلي بإظهار قوة الجيش واستقراره على الحدود؛ ثانيها إرسال رسالة واضحة للولايات المتحدة وشركائها بشأن التزامها بالوجود العسكري والأمني في جنوب سوريا؛ وثالثها تعزيز موقفها التفاوضي في أي اتفاق مستقبلي مع دمشق، لا سيما في ما يتعلق بضمانات أمنية لحماية الأقلية الدرزية ومصالح إسرائيل الإقليمية.
في المقابل، تكشف المواقف السورية عن تصميم دمشق على الحفاظ على سيادتها، ورفض أي تنازل جزئي يضر بموقفها الاستراتيجي. هذا الصدام بين الرسائل الإسرائيلية والرفض السوري يعكس تعقيد الوضع في جنوب سوريا، حيث تتقاطع الأبعاد العسكرية والسياسية والدبلوماسية، وتظهر حاجة الطرفين إلى التفاوض عبر وساطة دولية لحل القضايا العالقة دون تصعيد عسكري جديد.
ختاماً، زيارة نتنياهو وكاتس ليست مجرد حدث ميداني عابر، بل رسالة استراتيجية تحمل مضامين واضحة على الصعيد العسكري والسياسي، وتوضح الطموحات الإسرائيلية في جنوب سوريا، مع تأكيد دمشق على ضرورة احترام سيادتها وحدودها، ما يضع المنطقة على مفترق طرق دقيق بين التوتر والبحث عن تفاهمات مستقبلية.