تصاعدت الانتهاكات الإسرائيلية في الجنوب السوري خلال النصف الأول من شهر تشرين الثاني بشكل غير مسبوق، حيث نفّذت القوات الإسرائيلية نحو 50 توغلاً متزامناً ترافق مع قصف بري مكثف، إطلاق قنابل مضيئة، اعتقالات مستهدفة، إقامة حواجز عسكرية مؤقتة، وتجريف الطرق والمزارع. جميع هذه العمليات جرت وسط غياب أي رادع رسمي من الحكومة السورية، مما يعكس حجم التحديات الأمنية المتزايدة على طول الحدود الجنوبية للبلاد، وتزايد المخاوف الشعبية من استمرار التصعيد دون أي حماية فعالة.
التوغلات والاعتداءات اليومية
في الأول من تشرين الثاني، توغلت قوة عسكرية إسرائيلية مؤلفة من دبابتين و7 آليات عسكرية، إضافة إلى جرافة، في قرية الصمدانية الشرقية بريف القنيطرة، وتوجهت نحو الطريق المؤدي إلى حاجز الصقري بين بلدتي جبا وخان أرنبة، وصولًا إلى أوتوستراد السلام. في اليوم نفسه، دخلت القوات الإسرائيلية محيط قرية أوفانيا شمال القنيطرة، انطلاقاً من قاعدة الحميدية، ما أثار قلق السكان المحليين. كما نصبت دورية حاجزًا مؤقتًا على طريق الرزانية صيدا الحانوت، وفتشت المارة، بينما أطلقت النار في الهواء لتفريق الأهالي الذين حاولوا اعتراض التوغلات.
خلال الثاني والثالث من تشرين الثاني، واصلت القوات الإسرائيلية توغلاتها في قرى معربة بمنطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي، وانتشرت في العجرف بريف القنيطرة الأوسط، دون وقوع احتكاك مباشر مع السكان، بينما جرى اعتقال شابين من أبناء قرية معرية ونقلهم إلى جهة مجهولة، ما أدى إلى حالة من التوتر والخوف بين الأهالي.
في الخامس من تشرين الثاني، توغلت القوات الإسرائيلية في الكسارات ببلدة جباتا الخشب شمال القنيطرة، مكونة من دبابتين و4 آليات عسكرية، وأقامت حاجزًا مؤقتًا ومنعت المارة من الوصول إلى مواقع العمل الزراعي لأكثر من ساعتين، قبل أن تنسحب لاحقاً. وفي نفس اليوم، نفذت فرق تابعة للأمم المتحدة أعمال تفجير للذخائر المدفونة في تل أحمر بين بلدتي جباتا الخشب وعين النورية، بينما واصلت القوات الإسرائيلية تحركاتها في الرويحينة ورسم الحلبي.
في السادس والسابع من تشرين الثاني، شهد ريف القنيطرة الأوسط والجنوبي توغلات متكررة، شملت انتشار دبابات وآليات عسكرية ورفع ساتر ترابي في مناطق عدة، وترافق مع تحليق مكثف للطيران الاستطلاعي الإسرائيلي.
الاعتقالات والحواجز العسكرية
في أيام متفرقة من الشهر، نفذت القوات الإسرائيلية سلسلة اعتقالات لأشخاص من القرى الجنوبية، أبرزها بلدة معرية، حيث تم احتجاز أربعة أشخاص من عائلة واحدة أثناء عودتهم من منطقة الحفاير. كما نصبت القوات حواجز مؤقتة على طرق رئيسية بين الصمدانية الشرقية وخان أرنبة، وفي الصمدانية الغربية، مما أدى إلى تعطيل الحركة اليومية للسكان، وإجبارهم على الخضوع لتفتيش دقيق للبطاقات والمركبات.
التوتر الجوي والميداني
إلى جانب التوغلات البرية، سجلت تحركات جوية مكثفة للقوات الإسرائيلية، شملت تحليق مروحيات منخفضة وبالونات حرارية، فضلاً عن طيران استطلاع مكثف فوق ريفي القنيطرة ودرعا، وهو ما زاد من حالة الذعر لدى السكان المحليين، في ظل استمرار الانتهاكات البرية دون أي رد رسمي.
ردود فعل سوريا والدور الدولي
أدانت الحكومة السورية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووفد حكومي إلى الجنوب السوري في 19 تشرين الثاني، واعتبرتها “انتهاكًا صارخًا لسيادة البلاد ووحدة أراضيها”، مؤكدة أن جميع الإجراءات الإسرائيلية في المنطقة “باطلة ولاغية” ولا ترتب أي أثر قانوني وفق القانون الدولي. ودعت دمشق المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوضع حد للاعتداءات وفرض الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية إلى حدود اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.
من جانبه، شدد نتنياهو خلال جولته على “أهمية الوجود الإسرائيلي في الجنوب السوري” لحماية الحدود الشمالية لدولة إسرائيل ودعم حلفائه في المنطقة، مؤكدًا أن المهمة تشمل تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية، وأن أي تطور محتمل في المنطقة يمكن أن يتغير في أي لحظة.
المفاوضات والاتفاقيات المستقبلية
في سياق محاولات التوصل إلى تسويات، أجريت محادثات بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حول اتفاق أمني محتمل بين سوريا وإسرائيل. ورغم ذلك، استبعد الشرع انضمام بلاده لاتفاقيات أبراهام، مؤكدًا أن أي اتفاق نهائي يتطلب انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل ديسمبر 2024، مع استمرار المفاوضات غير المباشرة لضمان استعادة السيادة الكاملة على الجنوب السوري.
خلاصة وتداعيات
تكرار التوغلات الإسرائيلية والاعتداءات المتنوعة في الجنوب السوري، من البر إلى الجو، يعكس استراتيجية مستمرة لتكريس النفوذ والسيطرة على المناطق الحدودية، دون أي رادع رسمي. ويبرز حجم التحديات التي تواجهها سوريا في حماية المدنيين واستعادة سيادتها على كامل أراضيها، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لضمان وقف الانتهاكات وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة، بما يحول دون تفاقم التوترات وحدوث تصعيد أوسع.