شهدت بادية تدمر السورية حادثة ميدانية مأساوية، إذ استهدفت مروحيات تابعة للتحالف الدولي رجلاً كان يرعى المواشي في قرية شطيح قرب منطقة جبل العمور. أفادت المصادر المحلية بأن ثلاث مروحيات حلّقت على علو منخفض فوق المنطقة، وعندما أطلق الرجل النار باتجاهها، تم الرد فوراً من إحدى الطائرات، ما أسفر عن مقتله على الفور. الحادثة جاءت بالتزامن مع دورية أخرى للتحالف الدولي قرب مدينة السبخة لمتابعة ورصد التحركات في المنطقة.
ويأتي هذا الحدث في سياق النشاط المتصاعد لقوات التحالف في البادية السورية، والذي يسعى لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المناطق الصحراوية الاستراتيجية. فقد بدأت الولايات المتحدة خلال الشهر الجاري محاولات لتأمين مواقع حيوية في البادية، بما يشمل السيطرة على مطارات وإنشاء قواعد عسكرية تحت إشراف مباشر من القيادة الأمريكية، في إطار جهودها لتعزيز قدراتها التشغيلية وتأمين خطوط لوجستية هامة، بحسب مصادر بريطانية.
ويُعد هذا التوجه استمرارًا لسياسات التحالف الدولي في سوريا منذ سنوات، التي تهدف إلى تعزيز النفوذ الأمريكي في مناطق النفط والمواقع الاستراتيجية، وضمان السيطرة على المعابر والطرق الحيوية في البادية السورية. وتوضح المعلومات المتوفرة أن نشاط التحالف يشمل التقييم الدوري للمطارات والمواقع العسكرية الموجودة، وإعادة هيكلة بعض القوات المحلية لتكون شريكة في هذه العمليات.
وفي هذا الإطار، زار وفد التحالف الدولي بتاريخ 1 تشرين الثاني الجاري مطار السين العسكري في منطقة الضمير بريف دمشق، برفقة قوات «أمن البادية»، المعروفة سابقاً باسم «جيش سوريا الحرة». وقد أجرت الفرق الميدانية جولة تفقدية داخل المطار لتقييم جاهزيته التشغيلية واللوجستية، بهدف استخدامه لاحقاً ضمن أنشطة التحالف في البادية السورية. ويمثل هذا المطار موقعاً استراتيجياً يتيح للتحالف تعزيز قدراته التشغيلية وتأمين طرق حيوية للتحركات العسكرية.
وتشير التطورات إلى أن قوات «جيش سوريا الحرة» خضعت لهيكلة جديدة بعد سقوط نظام الأسد، وانضمت إلى وزارتي الدفاع والداخلية، لتعرف لاحقاً باسم «قوات أمن البادية». وتعمل هذه القوات بشكل وثيق مع التحالف الدولي، وتتلقى دعمًا لوجستيًا مستمراً منه، ضمن إطار الشراكة الأمنية والعسكرية التي تهدف إلى تعزيز السيطرة على مناطق النفوذ في البادية السورية.
ويعكس الحادث الأخير في قرية شطيح مدى حساسية الوضع الأمني في البادية، حيث تتقاطع التحركات العسكرية المكثفة مع وجود عناصر محلية، ما يزيد من احتمالات حدوث مواجهات مميتة. كما يسلط الضوء على التوازنات الدقيقة بين المدنيين والقوات العسكرية الأجنبية، إذ أن أي احتكاك مع التحالف قد يفضي إلى عواقب فورية وخطيرة على حياة السكان المحليين، كما حدث مع الرجل الذي أطلق النار على المروحيات.
ويرى محللون أن النشاط المتزايد للتحالف في البادية السورية، بما يشمل الدوريات الجوية، وزيارات المطار، وإنشاء القواعد، يعكس رغبة الولايات المتحدة في ترسيخ نفوذها العسكري في قلب سوريا الصحراوية. ويعد البقاء على أهبة الاستعداد وجمع المعلومات الميدانية من أولويات التحالف لضمان السيطرة على المواقع الحيوية، وتأمين مصالحه العسكرية واللوجستية في المنطقة.
في المحصلة، تُظهر هذه الأحداث الأخيرة مدى خطورة التحركات الأمريكية في البادية السورية، حيث تتقاطع المصالح العسكرية مع الحياة المدنية في مناطق نائية وحساسة. وتطرح تساؤلات حول مستقبل الأمن والاستقرار في هذه المناطق، ومدى قدرة السكان المحليين على مواجهة هذه التدخلات العسكرية المكثفة، والتي تهدف بوضوح إلى تعزيز النفوذ الاستراتيجي للولايات المتحدة في قلب سوريا الصحراوية، مع استمرار شراكتها العسكرية مع القوات المحلية المهيكلة حديثاً.