شهدت سوريا خلال الساعات الماضية سلسلة تحركات روسية غير معلنة، تعكس مستوى عالياً من الحساسية العسكرية والسياسية، وسط نشاط مكثف للطيران الحربي في سماء دمشق ومدينة حميميم الساحلية. فقد هبطت طائرة نقل الوفود الروسية من طراز Tu-154B-2 في قاعدة حميميم الجوية، حاملة وفداً عسكرياً رفيع المستوى من روسيا، وسط مرافق من مقاتلة Su-35 حلّقت على ارتفاع منخفض أثناء الهبوط، ما يعكس الحرص على تأمين وصول الوفد بأعلى درجات الحماية.
وبعد ساعات قليلة من الوصول، قامت الطائرة بجولة تفقدية داخل القاعدة، قبل أن تقلع مجدداً في مشهد استثنائي، حيث رافقتها مقاتلات من طراز Su-34 وSu-35، إلى جانب مروحيات هجومية Ka-52 ومروحيات نقل Mi-17، في مشهد يؤكد الأهمية العسكرية لهذه الزيارة والاهتمام الروسي بأدق تفاصيل التنقل والتحرك. هذا النشاط المكثف يعكس أيضاً حجم السرية الذي أحاط بالزيارة، فضلاً عن التركيز على حماية الوفد من أي تهديد محتمل.
وفي صباح اليوم التالي، غادرت الطائرة قاعدة حميميم متجهة إلى مطار دمشق الدولي، وعلى متنها الوفد العسكري، قبل أن تعود الطائرة لاحقاً إلى القاعدة بعد اجتماع لم تُكشف تفاصيله أو أهدافه عبر القنوات الرسمية. وتكررت التحليقات المكثفة للطيران الروسي خلال العودة، مع ظهور مقاتلات Su-35 وSu-34 بشكل ملفت فوق مناطق الساحل السوري، ما يعكس استمرار الإجراءات الأمنية المشددة والحرص على السيطرة الجوية الكاملة أثناء أي حركة للوفد.
وتأتي هذه الزيارة ضمن سلسلة من التحركات الروسية غير المعلنة في سوريا، والتي شهدت خلال الفترة الأخيرة نشاطاً ملحوظاً للقواعد الروسية وتحليقات متكررة للطيران الحربي في مناطق الساحل والشمال. ويثير هذا النشاط تساؤلات عدة حول طبيعة الاجتماعات والمهام العسكرية التي يجريها الجانب الروسي، خصوصاً في ضوء التغيرات الأخيرة على الساحة السورية بعد سقوط نظام الأسد وتشكل الحكومة السورية الجديدة.
كما تعكس هذه التحركات حرص روسيا على مراقبة الوضع الميداني والسياسي في البلاد، وتعزيز موقعها العسكري في القواعد الاستراتيجية التي تسيطر عليها في الساحل السوري وريف اللاذقية. فالوجود الروسي المكثف، مع الطائرات المرافقة والمروحيات الهجومية، يظهر محاولة لضمان نفوذ عسكري قوي واستعداد للتعامل مع أي تصعيد محتمل، سواء كان داخلياً أو مرتبطاً بتوترات إقليمية محتملة.
وتعد قاعدة حميميم الجوية واحدة من أهم المنشآت العسكرية الروسية في سوريا، حيث تحظى بموقع استراتيجي يسمح لها بالسيطرة على السواحل الشمالية والوسطى للبلاد، فضلاً عن تسهيل عمليات الطيران العسكري الروسي في مختلف مناطق النزاع. واستغلال الطائرة Tu-154B-2 مع الوفد العسكري الرفيع، إلى جانب انتشار المقاتلات والمروحيات، يؤكد أن روسيا تتابع الملف السوري بدقة وتولي أهمية كبيرة للقاءات العسكرية السرية، التي قد تتعلق بخطط مستقبلية لتعزيز التعاون مع الحكومة السورية الجديدة أو لمراقبة تشكيلات مسلحة محلية.
ويشير مراقبون إلى أن هذه التحركات تعكس أيضاً توجهاً روسياً للحفاظ على نفوذها الاستراتيجي في سوريا، وسط تصاعد التوترات الإقليمية، وإرسال رسائل قوية إلى اللاعبين المحليين والدوليين حول حجم الوجود العسكري الروسي وقدرته على التحكم في المشهد السوري. وباتت تحركات الطائرات والمروحيات الروسية علامة بارزة على المستوى العالي من الأمن والسرية الذي تحيط به موسكو أي نشاط عسكري في سوريا، سواء كان مرتبطاً بالوفود أو بالعمليات الميدانية.
في المحصلة، تؤكد هذه الزيارة السرية للوفد العسكري الروسي في دمشق وحميميم أن روسيا مستمرة في لعب دور مركزي وحاسم على الساحة السورية، مع مراقبة دقيقة للمعطيات السياسية والعسكرية، وضمان السيطرة الكاملة على قواعدها في البلاد، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي وإجراءات أمنية مشددة، في وقت تترقب فيه الأوساط المحلية والدولية ما ستسفر عنه هذه الاجتماعات غير المعلنة خلال الأيام المقبلة.