التهديد الصامت: كيف أربكت المسيّرات الحديثة أقوى جيوش العالم؟

2025.11.20 - 09:17
Facebook Share
طباعة

 
تحوّلت الحرب في أوكرانيا إلى مسرح تجارب مفتوح، تتغير فيه أساليب القتال أسرع بكثير من قدرة شركات السلاح والبرامج العسكرية على مواكبتها. فبينما تستثمر القوى الغربية مليارات الدولارات في تطوير أنظمة مضادة للمسيّرات، تظهر في الجبهات ابتكارات جديدة تقلب المعادلات بين ليلة وضحاها، وتكشف فجوة حقيقية بين نظريات المكاتب وواقع الميدان.

أحد أبرز الأمثلة على هذا التناقض مشروع "فانهايم" البريطاني–الأميركي، الذي أُطلق مطلع عام 2025 بهدف إيجاد منظومات خفيفة وفعّالة لمواجهة الدرونات الصغيرة التي باتت عنصرًا حاسمًا في حرب أوكرانيا. لكن المشروع بدا متأخراً منذ لحظاته الأولى، بعدما تسارعت الهجمات الجوية الصغيرة بطرق لم تتوقعها الجيوش.


أنظمة خفيفة… ولكن بطيئة في اللحاق
"فانهايم" ليس برنامج تصنيع بقدر ما هو منصة اختبار تجمع عشرات الشركات لتجربة أفضل الأفكار الدفاعية. الهدف: إنتاج معدات خفيفة يستطيع الجندي استخدامها مباشرة دون الحاجة لخبراء حرب إلكترونية.

خلال مراحل المشروع، اختُبرت عشرات الحلول، من رادارات صغيرة محمولة إلى أجهزة رصد موجات الراديو، وصولاً إلى أنظمة تشويش قابلة للحمل. وبعد تقييمات مكثفة صيف 2025، لم يبقَ سوى ثمانية حلول اعتُبرت الأكثر قابلية للتطبيق.

تركز المنظومات على مواجهة الطائرات من الفئتين B1 وC1، وهي الدرونات الأخف والأكثر استخدامًا في الهجمات الدقيقة، بما فيها طائرات FPV التي يقودها المشغّل عبر نظارات نقل مباشر وتمنح قدرة عالية على المناورة.


رادار مزدوج… لملاحقة المسيرات الصامتة
لتحقيق "وعي ميداني" فعال، اعتمد المشروع على دمج أنظمة كشف متعددة:

رادار نشط يرصد الأجسام عبر الموجات المرتدة

رادار سلبي يلتقط الإشارات الصادرة عن الدرونات دون بث أي موجة

هذا الدمج يهدف إلى كشف الدرونات "الصامتة" التي لا تطلق انبعاثات إلكترونية، سواء لأنها تعمل ببرامج طيران مستقل أو جرى تصميمها لتجنب الرصد.

من بين الأنظمة المشاركة، برز نظام كورفوس من شركة L3 Harris، القادر على كشف الدرونات حتى مسافة 4 كيلومترات وتصنيفها وتفعيل وسائل التشويش المناسبة.


ابتكار أسرع من التطوير: ظهور درونات الألياف الضوئية

لكن مرحلة الاختبار لم تستمر طويلاً قبل أن يظهر تهديد غير متوقع. ففي يوليو 2025، كشفت أوكرانيا أن روسيا بدأت تستخدم طائرات FPV موصولة بكابل ألياف ضوئية، ينقل التحكم والصورة مباشرة بين المشغّل والطائرة دون أي بث لاسلكي.

هذا التطور حوّل الوزارة والجيش إلى حالة طوارئ حقيقية:

لا يمكن تشويش الطائرة

لا يمكن قطع الاتصال

قدرة عالية على المناورة

تهديد مباشر للمواقع الأمامية

لم يكن هذا التهديد جزءًا من أي سيناريو اختباري في "فانهايم"، ما دفع المشاركين للاعتراف بأن الميدان سبق التطوير، وأن المشروع غير مهيأ عمليًا لمواجهة هذا النوع من الهجمات.


من "القتل الناعم" إلى "القتل الصلب"

أمام الطائرات الموصولة بالألياف، اضطرت الجيوش للعودة إلى الأساليب التقليدية:

✔️ القتل الناعم (Soft Kill)

تشويش الاتصالات أو تعطيل GPS لدفع المسيرة للهبوط.
لكن هذه الطريقة أصبحت غير فعالة أمام المسيرات الحديثة المحصّنة.

✔️ القتل الصلب (Hard Kill)

الحل المتبقي:

إطلاق نيران دقيقة

استخدام ليزر عالي الطاقة

إرسال طائرات اعتراض صغيرة تصطدم بالمسيرة أو تشلها بشباك

هذا الأسلوب مكلف وصعب، لكنه بات ضرورياً.


حلول جو–جو جديدة: نظام "سينتينل" الألماني

ضمن "فانهايم" برز نظام ألماني واعد: سينتينل، وهو شبكة طائرات صغيرة تحلّق فوق ساحة القتال لتشكل "فقاعة مراقبة واعتراض".

تتميز المنظومة بـ:

رادارات دقيقة وكاميرات حرارية وبصرية

تحليل آلي بواسطة الذكاء الاصطناعي

طائرات اعتراض صغيرة يتم توجيهها كسرب

قدرة على التعامل مع درونات الألياف الضوئية

لكن النظام يعاني تحديات لوجستية مثل إدارة الطاقة والطقس السيئ والتشويش، إضافة لقيود التشغيل في الأجواء المدنية.


خلاصة: الحرب تغيّر شكلها… والأنظمة الدفاعية تتعثر

ما يجري اليوم يكشف حقيقة واضحة:
ساحات القتال لم تعد تنتظر برامج التطوير التقليدية، بل تبتكر حلولًا جديدة كل أسبوع.

والمسيرات الصغيرة، خاصة درونات الرؤية الأولى ودرونات الألياف الضوئية، أصبحت السلاح الأكثر تأثيراً في الجبهات الحديثة، بينما لا تزال الأنظمة المضادة تحاول اللحاق بها.

المفارقة أن السلاح الأرخص هو الذي يربك الأنظمة الأغلى، وأن مستقبل الحرب لا ترسمه الميزانيات بل سرعة الابتكار على الجبهة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 6