لم ينجح اتفاق "وقف الأعمال العدائية" بين لبنان وإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في تحقيق الاستقرار المنشود، إذ تواصل إسرائيل تنفيذ عمليات عسكرية واستخباراتية في مختلف المناطق اللبنانية، من الجنوب إلى البقاع وصولاً لضواحي بيروت، بذريعة ملاحقة جهود حزب الله لإعادة ترميم ترسانته العسكرية. وقد شمل ذلك قصفًا لمواقع عدة، من بينها مخيم عين الحلوة للاجئين.
ووفق إحصاءات الجيش اللبناني، تجاوز عدد الخروقات الإسرائيلية منذ سريان الاتفاق 4500 خرق حتى سبتمبر/أيلول الماضي.
حزب الله يعيد بناء قوته رغم المطالبات بنزع السلاح
ورغم الضغوط الداخلية والدولية لإجبار حزب الله على تسليم سلاحه، حافظ الحزب على موقف ثابت يصفه بـ"الحق المشروع في مقاومة الاحتلال"، مؤكدًا رفض أي مسعى لنزع السلاح باعتباره يخدم "المشاريع الإسرائيلية".
وبحسب تقارير دولية متعددة، بينها وول ستريت جورنال ولوفيغارو، كثّف حزب الله منذ أواخر 2024 عمليات إعادة التسلّح والتنظيم. وتشير هذه التقارير إلى:
تخزين صواريخ وأنظمة مضادة للدروع ومدفعية ثقيلة.
دخول شحنات عبر طرق تهريب سورية وموانئ لبنانية.
استئناف تصنيع الأسلحة محليًا.
انتقال الحزب إلى العمل بشكل شبه كامل تحت الأرض.
كما سبق لقوات "يونيفيل" اكتشاف شبكات أنفاق محصّنة للحزب في محيط بلدات الجنوب، تضم مخابئ وراجمات صواريخ ومئات القذائف والألغام.
الرؤية الإسرائيلية: تهريب، إعادة تسلّح، وتعزيز للبنى التحتية
المؤسسات الأمنية الإسرائيلية تؤكد أن حزب الله يعمل على إعادة ترميم قوته بصورة منهجية. فقد ذكر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن الحزب:
يجدد احتياطاته المالية.
يعيد هيكلة مؤسساته.
يوسّع عمليات التجنيد.
يعزز شبكات التهريب.
وتفيد مصادر عسكرية إسرائيلية نقلتها "وول ستريت" بأن مئات الصواريخ القصيرة المدى وصلت إلى لبنان خلال الأشهر الأخيرة عبر سوريا، بالتوازي مع إعادة بناء الهيكل القيادي.
أما موقع Jewish News Syndicate فيقدّر عديد عناصر الحزب بـ 40 ألف مقاتل، مع امتلاكه بين 15 و20 ألف صاروخ وقذيفة جاهزة للاستخدام، استنادًا إلى تصريحات المبعوث الأميركي توم براك.
وتشير تقديرات أخرى، نقلتها مواقع إسرائيلية بينها واي نت ومعاريف، إلى:
توسع برنامج الطائرات المسيّرة.
إعادة بناء مخازن التجميع والتصنيع.
إعادة تنظيم قوات الرضوان بين الليطاني والحدود.
بناء خط دفاعي جديد شمال الليطاني.
تجنيد آلاف المقاتلين الجدد.
إنتاج متوازٍ للأسلحة البسيطة والدقيقة.
كما أبلغت إسرائيل واشنطن بأن الحزب تمكن من تشغيل منصات صاروخية تضررت في الحرب الأخيرة، ونجح في تهريب مئات الصواريخ خلال أسابيع قليلة.
البنى السرية: شبكات تحت الأرض وقدرات بديلة
التقارير الإسرائيلية تُجمع على أن حزب الله يسرّع إعادة تأهيل بناه السرية، خصوصًا ضمن ما يسمى قطاع وحدة بدر شمال الليطاني، والذي بات مركز الثقل العملياتي للحزب.
وبحسب مركز "ألما" الإسرائيلي:
يعزز الحزب البنى التحتية المخفية لتخزين الأسلحة وتشغيلها.
يطور شبكات أنفاق تكتيكية واستراتيجية لم تتضرر خلال الحرب.
يجري عمليات صيانة وإنتاج وإصلاح داخل منشآت سرية.
يحدّث خططه العسكرية ويكثف التدريبات.
ويقدّر المركز أن الحزب يحتفظ حاليًا بـ ثلث قوته النارية السابقة فقط، لكنه يعوّض ذلك بتطوير عملياته السرية.
وتشير تقييمات إسرائيلية إلى أن منطقة البقاع تمثّل العمق الإستراتيجي الأهم للحزب، إذ تضم منشآت تدريب وتخزين وإنتاج، بعضها تحت الأرض ولم يتعرض للضرر.
تصعيد عملياتي إسرائيلي وتثبيت عقيدة الضربة الاستباقية
تزامن ذلك مع تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية، إذ تجاوزت الانتهاكات منذ أواخر 2024:
2200 هجوم عسكري
6200 خرق جوي
وفق تقرير لقوات اليونيفيل.
كما ذكرت لوموند أن هذه العمليات تسببت في مقتل 111 مدنياً لبنانياً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ما يجعل اتفاق وقف النار أشبه بـ"هدنة هشة".
على الصعيد الاستراتيجي، أعلنت إسرائيل تبني عقيدة جديدة عنوانها:
"عليـنا أن نسبق العدوّ بضربة قبل أن يبادر هو بالهجوم".
وأكد قائد سلاح الجو اللواء تومر بار أن إسرائيل تركز على منع إعادة تأهيل وحدة الطائرات المسيّرة التابعة لحزب الله، في إشارة إلى الخشية المتزايدة من قدرات الحزب الجوية.
ضغوط دولية وتوتر سياسي
ترافق المشهد العسكري مع تصاعد الضغوط الدولية على لبنان، خصوصًا من الولايات المتحدة.
ألغت واشنطن اجتماعات كانت مقررة لقائد الجيش اللبناني رودولف هيكل في البنتاغون، بسبب ما تعتبره "ضعف أداء" الجيش في ملف حصر السلاح.
وفق "يورونيوز"، يتعرض رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام لضغوط أميركية "متزايدة" لضمان نزع سلاح الحزب.
وفي "حوار المنامة 2025"، اعتبر المبعوث الأميركي توم براك أن لبنان بات "دولة فاشلة"، ودعا لتسريع الجهود لحصر السلاح بيد الدولة.
وربطت إسرائيل موقفها الأمني بما تعدّه "عجز الدولة اللبنانية عن كبح الحزب"، مهددة بتكثيف الضربات إذا فشلت المسارات السياسية.