تصعيد خطير شرق الرقة

2025.11.20 - 08:53
Facebook Share
طباعة

 شهدت بادية معدان شرقي الرقة ليلة شديدة التوتر، إثر اندلاع اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بعد هجوم مفاجئ شنّته الأخيرة على مواقع الجيش في المنطقة. وقد أسفر الهجوم عن سقوط قتلى في صفوف الجيش، بحسب ما أفادت به مصادر محلية، فيما سقط قتلى وجرحى أيضاً من عناصر "قسد" بعد الرد المدفعي المكثف الذي نفّذه الجيش السوري على مصادر النيران والتمركزات التي انطلقت منها الهجمة.

ورغم حدّة المواجهات، لم يصدر الطرفان حتى الآن أي بيان رسمي يكشف حصيلة الخسائر البشرية أو يوضح خلفيات التصعيد الذي جاء في لحظة سياسية حساسة تشهدها مناطق شمال شرق سوريا. فالاشتباكات الجديدة أعادت إلى السطح تساؤلات عديدة حول مستقبل الاتفاق الذي وُقّع في مارس/آذار الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، والذي نصّ على دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة السورية وإعادة هيكلة إدارتها العسكرية والمدنية.

الاتفاق التاريخي الذي اعتبر حينها خطوة مفصلية في مسار إعادة توحيد مؤسسات الدولة، تضمن سلسلة بنود واسعة تتعلق بضمّ المناطق التي تسيطر عليها "قسد" إلى الإدارة السورية الجديدة، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط، إضافة إلى وضع خطة لعودة السكان المهجّرين إلى بلداتهم وقراهم في شمال وشرق سوريا. كما نصّ الاتفاق على أن يتم تطبيق كل بنوده قبل نهاية العام الجاري، وسط ترحيب حذر من القوى السياسية والاجتماعية في المنطقة.

غير أن الاشتباكات التي وقعت قبل أسابيع، ثم المواجهات الأخيرة في بادية معدان، ألقت ظلالاً ثقيلة من الشك حول مدى قدرة الطرفين على الالتزام بروح الاتفاق، خصوصاً أن بعض القوى المحلية اعتبرت التصعيد خطوة تُظهر هشاشة التفاهمات المبرمة، مقابل رؤية أخرى ترى أن ما يجري لا يتعدى كونه احتكاكات ميدانية قد تعيق الجدول الزمني للاتفاق ولكنها لا تنسفه بالكامل.

من جهته، حاول قائد "قسد" مظلوم عبدي أمس طمأنة المراقبين خلال كلمة ألقاها في مؤتمر بكردستان العراق، حيث أكد أن قواته «لا تشكل تهديداً لأحد»، وأنها تُدير مناطقها تحت مظلة الدولة السورية وفق ما نصّ عليه اتفاق مارس. وأعرب عبدي عن أمله في أن يتم استكمال تنفيذ كل بنود الاتفاق قبل نهاية العام، مشدداً على أنه كان «مفيداً» وأسهم في وضع حدٍّ لخطاب الكراهية والرغبة بالانتقام بين مختلف المكوّنات.

لكن الهجوم الليلي الأخير يشير إلى وجود عراقيل ميدانية وسياسية قد تؤخر أو تعقّد عملية الدمج المنشودة. فالميدان في شرق سوريا لا يزال بالغ الحساسية، ويتداخل فيه عدد كبير من اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، ما يجعل أي احتكاك قابلاً للتحول إلى تصعيد واسع. كما أن السيطرة على الموارد الحيوية — مثل النفط والمعابر — تبقى واحدة من أكثر الملفات حساسية بين الحكومة و"قسد"، وقد تشكل خلفية غير معلنة لبعض التحركات.

وبينما يُعيد الطرفان حساباتهما بعد الاشتباكات الأخيرة، تبدو الحاجة ملحّة إلى ضبط التوتر ومنع انزلاقه نحو مواجهة أوسع من شأنها أن تعيد مسار إعادة التوحيد إلى نقطة الصفر. فالاتفاق الذي وُقّع في مارس ليس مجرد تفاهم إداري أو عسكري، بل يمثل ركيزة أساسية لجهود استعادة الاستقرار في شمال وشرق سوريا. وأي انتكاسة كبيرة قد تعيد فتح الباب أمام جولات جديدة من الصراع، وتؤثر مباشرة في مستقبل الوجود السوري الموحّد في هذه الجغرافيا الشاسعة.

ومع استمرار الصمت الرسمي من الطرفين حول مجريات ليلة معدان، يبقى السؤال الأبرز: هل كانت هذه الاشتباكات مجرد حادثة معزولة، أم أنها بداية لمسار تصعيدي قد يهدد أحد أهم الاتفاقات التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة؟ الإجابة قد تتضح في الأسابيع المقبلة، خصوصاً مع اقتراب المهل الزمنية لتنفيذ بنود الاتفاق.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 3