يتّضح أن مشروع الدفع نحو مواجهة مباشرة بين الجيش اللبناني وحزب الله بات يشكّل محوراً أساسياً في المخطط الأميركي – الإسرائيلي، الذي أصبح مقتنعاً بأن ضرب المقاومة غير ممكن من دون إشعال فتنة داخلية. وللمرة الأولى، يظهر الأميركيون اهتماماً مباشراً بدفع الجيش إلى مواجهة مع المقاومة تحت شعار «تطبيق قرارات الحكومة بالقوة لا بالتفاهم»، وهو خيار سبق أن رفضه الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، الذين أكدوا للجانب الأميركي أن الحرب الأهلية ليست طريقاً مقبولاً ولا ممراً إجبارياً لضمان أمن إسرائيل.
في السياق نفسه، يترافق التصعيد الإسرائيلي في الجنوب مع ضغوط سياسية وأمنية على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، بهدف خلق بيئة داخلية تستجيب للمطالب الإسرائيلية – الأميركية، تحت تهديد دائم بأن «البديل هو الانهيار». ويأتي ذلك في ظل انقسام القوى الأساسية في البلاد بين فريق يدفع نحو أي إجراء قد يؤدي إلى إضعاف حزب الله، وبين فريق آخر يرى أن كلفة أي عدوان خارجي أقل بكثير من كلفة حرب داخلية مدمّرة تقضي على إمكانية استقرار الدولة.
وتندرج ضمن هذا المسار الحملة الأميركية المستجدة على قائد الجيش، بالتزامن مع جولة وفد من الخزانة الأميركية في بيروت، وسط خشية من أن تكون هذه الضغوط مؤشراً إلى انتهاء فترة التجاوزات التي سُمح للعهد بتجاهل حسم ملف السلاح خلالها.
على الميدان، صعّدت إسرائيل عملياتها في الأيام الأخيرة تحت ذريعة استهداف منشآت للمقاومة، في محاولة لدفع الجيش إمّا إلى تنفيذ عمليات تفتيش في المنازل والممتلكات داخل القرى الجنوبية ـــ بما يضع المؤسسة العسكرية في مواجهة مباشرة مع السكان ويجعلها تبدو كحارس حدود لإسرائيل ـــ أو لإظهاره عاجزاً عن تنفيذ قرار نزع السلاح ومتساهلاً مع حزب الله. وتروج تسريبات إسرائيلية تتحدث عن تعاون ميداني بين الجيش وعناصر من المقاومة، عبر غضّ الطرف عن نقل معدات أو دخول آليات هندسية إلى مواقع معينة.
وشهد الجنوب أمس سلسلة اعتداءات واسعة، إذ سبقت موجة إنذارات قصفَ منازل في شحور ودير كيفا وطيرفلسيه وعيناثا، بزعم أنها مواقع عسكرية. وقد تضرر عدد من هذه المنازل وكان بعضها مأهولاً، ما اضطر سكانها إلى مغادرتها سريعاً. وفي وقت لاحق، نشر الجيش الإسرائيلي خريطة لبلدة بيت ليف، ادعى فيها وجود أكثر من ثلاثين موقعاً ومنزلاً يستخدم لأغراض عسكرية، من دون إصدار إنذار بالإخلاء، ما أثار حالة من الذعر بين الأهالي.
عقب هذه التهديدات، انتشرت قوة من الجيش اللبناني داخل بيت ليف إلى جانب دورية تابعة للقوات الدولية، وسط تداول أخبار غير مؤكدة بشأن طلب تفتيش عدد من المنازل. وأكدت جهات متابعة أن انتشار الجيش جاء لمساندة الأهالي والتصدي لتهديدات العدو، مع تمسك المؤسسة العسكرية بموقفها الرافض لتنفيذ أي طلب إسرائيلي بتفتيش منازل المدنيين أو ممتلكاتهم.
وجاء استمرار القصف على وقع المجزرة التي شهدها مخيم عين الحلوة ليل الثلاثاء، حيث استُهدف محيط مسجد خالد بن الوليد بثلاثة صواريخ، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى. وقد بدأت فرق الإنقاذ منذ صباح أمس بجمع الأشلاء والتعرف إلى الضحايا، بينما تخضع بقايا أخرى لفحوصات جينية لتحديد هوية أصحابها. وقد سمحت الفصائل الفلسطينية أمس للأهالي ووسائل الإعلام بدخول المسجد والملعب والمواقف في محيطه لنفي الادعاءات الإسرائيلية بأن المنطقة كانت تضم مركز تدريب أو منشآت عسكرية.
اتساع نطاق الهجمات الإسرائيلية داخل مناطق مكتظة مدنياً يعكس، وفق تقديرات بعض المتابعين، إسقاط تل أبيب لمبدأ تحييد المدنيين، ما ينذر بتصعيد كبير قد يشمل مناطق إضافية خلال المرحلة المقبلة. وتشير تقديرات أمنية إسرائيلية إلى أن الضربات الحالية لا تعتبر كافية، وأن هناك توجهاً لاستهداف مواقع واسعة لم تُضرب سابقاً، بذريعة أن المقاومة تعمل على إعادة ترميم قدراتها العسكرية.
في موازاة ذلك، تتحدث أوساط سياسية في بيروت عن اتصالات قائمة مع السفارة الأميركية لاحتواء التوتر الذي نتج عن إلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن، مع احتمال عقد لقاء بين الرئيس عون والسفير الأميركي الجديد ميشال عيسى الأسبوع المقبل. وتشير المعلومات إلى أن الرئيس عون ينوي التطرق خلال هذا اللقاء إلى خطورة وقف الدعم الأميركي للجيش، في وقت ينفي فيه أي تواصل مع مبعوثين من الدوائر الأميركية المتشددة.