تصاعد الهواجس الأوروبية من النهج الأميركي: الجيش اللبناني خطّ الدفاع الأخير

2025.11.20 - 07:23
Facebook Share
طباعة

 تبدو السياسة الأميركية تجاه لبنان اليوم أكثر تفككاً من أي وقت مضى خلال العقدين الماضيين، وخصوصاً في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب. فرغم ما يظهر كقبضة أميركية مُحكمة على لبنان، إلا أن سياسة «الضغط الأقصى» التي تعتمدها الإدارة، وتهديدها بترك البلاد لمصيرها بين إسرائيل و«النظام السوري الجديد»، فيما يروّج ترامب لنفسه كـ«صانع سلام»، توحي دولياً بأن الملف اللبناني يُدار بقدر كبير من التخبّط، وسط تأثير شخصيات تفتقر للخبرة، وبعض اللبنانيين في واشنطن ممن يتحركون بدوافع شخصية.

تسعى الإدارة الأميركية إلى تحقيق مكاسب سريعة في ملفاتها الكبرى، وعلى رأسها الصراع العربي – الإسرائيلي، بعد فشلها في تسجيل إنجازات ملموسة حتى الآن. وهو ما يجعل موقفها من لبنان بالغ التشدد، مدفوعاً أساساً بالرؤية الإسرائيلية التي أصبحت المحرّك الرئيسي لقرارات واشنطن. فقد تخلّت الإدارة الحالية عن إدارة دقيقة للملفات، واتجهت إلى تبنّي الموقف الإسرائيلي الكامل من دون أي هامش، في سابقة لم تُسجّل حتى خلال حرب غزّة أو العدوان على لبنان في عهد الرئيس جو بايدن، الذي تولّت إدارته إدارة الحرب مباشرة بما يخدم مصالحها.

أدت هذه السياسات، وخاصة إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودلف هيكل إلى واشنطن، إلى تراكم القلق الأوروبي من نهج الضغط الأميركي المتصاعد، والذي بات يُنظر إليه كخطر يهدد لبنان كاملاً. ورغم أن دولاً أوروبية كألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا لا تمانع في زيادة الضغط على إيران وحلفائها، خصوصاً بعد تعقيدات الحرب الروسية – الأوكرانية وانهيار الاتفاق النووي، إلا أنها تعتمد مقاربة مختلفة في الساحة اللبنانية. إذ لا تزال أوروبا تعاني ارتدادات الأزمتين السورية والليبية، ولا ترغب برؤية انهيار شامل في لبنان قد ينعكس مباشرة على أمنها ومصالحها. حتى بريطانيا، على الرغم من مواقفها الصارمة تجاه حزب الله، باتت أكثر حذراً بعد أن طالت الضغوط الأميركية المؤسسة العسكرية نفسها، وهددت ما تحقق خلالها من تراكمات.

يرى الأوروبيون أن الاعتراض الأميركي على بيان الجيش اللبناني الأخير، والذي اتُّخذ ذريعة للتصعيد بوجه هيكل ومن خلفه قائد الجيش جوزف عون، ليس سوى مقدمة لسلسلة ضغوط جديدة ستعقّد الوضع بدل حلحلته. فالبيان لم يتضمّن ما يتجاوز ما قالته «اليونيفل» قبل أيام بشأن الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة. وكان بالإمكان احتواء الموقف من دون إفشال زيارة رفيعة المستوى كان مقرراً أن يلتقي خلالها هيكل كلّاً من قائد الجيوش الأميركية الجنرال راندي جورج، وقائد القيادة الوسطى الجنرال براد كوبر، إضافة إلى مسؤولين سياسيين وأمنيين في البيت الأبيض.

ويشير الأوروبيون إلى مفارقة لافتة: فإلغاء اللقاء مع قائد الجيوش يناقض تماماً التقييم الإيجابي الذي يبديه كل من كوبر وسلفه كوريلا لأداء الجيش اللبناني في تنفيذ القرار 1701 ومراقبة وقف إطلاق النار، والذي ظهر بوضوح في بيانات «سنتكوم» الأخيرة حول عمل الجيش جنوباً.

كما يعتبر بعض الأوروبيين أن التلويح الأميركي باستقالة قائد الجيش سيكون بمثابة ضربة قاصمة للمؤسسة العسكرية وللعهد الرئاسي الحالي، إذا ما تحوّل التلويح إلى قرار. إذ إن الانصياع للإشارات الأميركية يعرض هيبة المؤسسة العسكرية للاهتزاز أمام اللبنانيين، ويهدد بخلق توترات داخلها، ويضعف موقع الرئيس عون الذي لم يُكمل عامه الأول، كما يضع الحكومة برئاسة نواف سلام في موقف حرج بعد عجزها عن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة دولياً.

وترى هذه الدول أن خطوة واشنطن، بالتزامن مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية اليومية، تعزز السردية التي يقدمها حزب الله لجمهوره، بأن الولايات المتحدة لا تمانع في تدمير لبنان خدمة لإسرائيل. فالإجراءات التي طلبتها وزارة الخزانة الأميركية أخيراً لا تُضعف حزب الله الذي يمتلك قدرة على التكيّف مع الحصار، بقدر ما تزيد الضغط على المواطنين الذين يعانون في ظل الركود الاقتصادي وانهيار النظام المصرفي.

ويتخوّف الأوروبيون من أن استمرار الضغوط الأميركية والعدوان الإسرائيلي قد يؤديان إلى تصدّع المؤسسة العسكرية، وهي آخر مؤسسة جامعة في البلاد حالياً. فغياب الجيش سيقود إلى فوضى مناطقية تُعيد إنتاج سلطات طائفية موازية، وتهدد وحدة الحدود اللبنانية. ورغم أن أوروبا الأساسية ترى وقف إطلاق النار مرتبطاً بنزع سلاح حزب الله على مستوى كل لبنان، إلا أنها تدرك أن القضاء على الحزب كتنظيم مستحيل من دون تدمير بيئته الشيعية بالكامل، وهو سيناريو شبيه بغزة لم ينجح رغم قسوته. وبرأيها، فإن التعاون الواضح بين الجيش وحزب الله في جنوب الليطاني يمكن أن يتكرّر على مستوى البلاد، ويدفع الحزب تدريجياً نحو دور سياسي، إذا توقفت الاعتداءات الإسرائيلية وزال مبرر التمسّك بالسلاح.

تتصاعد المخاوف الأوروبية مع اقتراب انتهاء مهمة «اليونيفل» التي تضم قوات إسبانية وفرنسية وإيطالية وألمانية. وتسعى الجيوش الأوروبية إلى تعزيز تعاونها مع الجيش اللبناني عبر اتفاقيات مشتركة تتيح لها الحفاظ على حضور عسكري ما بعد انسحاب «اليونيفل».

وتجلى هذا التوجه خلال زيارة قائد الجيش الإسباني الأدميرال تيودورو لوبيز كالديرون إلى لبنان، حيث أكد بعد لقائه الرئيس عون التزام بلاده بدعم الجيش والمحافظة على استقرار الجنوب. بدوره، أعرب عون عن تقديره للالتزام الإسباني ودور الشركاء الأوروبيين. كما أبدى، خلال لقائه المستشارة السياسية للرئيس الفرنسي آن كلير لو جاندر، ترحيبه بأي مشاركة أوروبية في حفظ الاستقرار بعد انسحاب «اليونيفل»، بالتنسيق مع الجيش الذي سيصل عدده إلى 10 آلاف عنصر مع نهاية العام، معتبراً أن هذا الدور الأوروبي يوفر مظلة دعم ضرورية للمؤسسة العسكرية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 3