تتعامل الولايات المتحدة مع لبنان على أنه يواجه تحديات سياسية واقتصادية وأمنية متراكمة، وهو تقييم يعكس القلق الدولي حيال قدرة الدولة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وتجسدت هذه المخاوف مؤخرًا بإلغاء المواعيد التي كانت مقررة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل في واشنطن، في خطوة اعتُبرت رسالة سياسية للتأكيد على الحاجة إلى التزام لبنان بخطط نزع السلاح وتنفيذ الإجراءات الأمنية المطلوبة.
الولايات المتحدة ترى أن الجيش اللبناني يمثل المؤسسة الأكثر استقراراً بين مؤسسات الدولة، لكن هناك انطباعاً بوجود تباطؤ في تنفيذ التزامات الحكومة المتعلقة بنزع سلاح المجموعات المسلحة، لا سيما في مناطق الجنوب وشمال الليطاني، وهو ما أدى إلى تقليص الهامش السياسي المتاح للبنان على الصعيد الداخلي والخارجي.
في هذا السياق، عبّر عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي عن قلقهم من أداء الجيش، معتبرين أن المرحلة الحالية تتطلب اتخاذ موقف أكثر وضوحاً تجاه السيطرة على السلاح غير الرسمي. وقالت بعض المصادر إن فرض عقوبات محتملة يُستخدم كأداة للضغط على الدولة اللبنانية لإعادة ضبط التوازنات الداخلية وتعزيز التزام الجيش بالخطة الأمنية الوطنية.
هذا المناخ السياسي يقابل تحديات اقتصادية واضحة، فزيارة الوفد اللبناني إلى واشنطن ولقاءاته مع المسؤولين في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم تسفر عن نتائج ملموسة، وهو ما يعكس صعوبة تحقيق اختراقات في ظل غياب الإصلاحات الجوهرية. ويُنظر إلى لبنان على أنه يحتاج إلى خطوات عملية لتعزيز كفاءة مؤسسات الدولة والشفافية في إدارة الموارد العامة قبل استئناف أي دعم دولي بشكل كامل.
على صعيد إقليمي، شهدت الفترة الأخيرة تحولات مهمة في العلاقات الأميركية مع المنطقة، أبرزها موافقة الولايات المتحدة على بيع مقاتلات "إف-35" إلى السعودية، في إطار اتفاق دفاعي موسع. وتعتبر هذه الخطوة جزءاً من إعادة صياغة العلاقات الثنائية، مع محاولة واشنطن موازنة مصالح إسرائيل والحفاظ على التوازن العسكري الإقليمي، وهو ما قد يؤثر على مواقف الأطراف اللبنانية والأمنية.
ويأتي كل ذلك في ظل واقع داخلي معقد، يتمثل في انقسام سياسي وأزمات مؤسساتية تعيق اتخاذ قرارات استراتيجية. وتشير المعطيات إلى أن الهامش المتاح أمام الجيش والحكومة اللبنانية محدود، في حين تبقى المخاطر الأمنية والسياسية قائمة، مما يستدعي اعتماد سياسات دقيقة للحفاظ على الاستقرار الداخلي وضمان تنفيذ الإصلاحات الأمنية والمالية.
في ظل هذه الظروف، يبقى التحدي الأكبر أمام لبنان هو إيجاد توازن بين الضغوط الدولية والإصلاح الداخلي، بما يتيح تعزيز قدرة الدولة على ضبط مواردها الأمنية والمالية، مع الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي. ويبدو أن المرحلة المقبلة ستتطلب من الحكومة والجيش إدارة الملفات الدقيقة بحكمة لضمان الاستفادة من الدعم الدولي وتحقيق نتائج ملموسة على الأرض، دون المساس بالسيادة الوطنية ومصالح المواطنين.