واشنطن تضغط… ولبنان أمام اختبار خطير

2025.11.19 - 08:27
Facebook Share
طباعة

 
تشهد الساحة السياسية والأمنية اللبنانية مستجدات حساسة بعد تصاعد الحديث في الأوساط الإسرائيلية عن اقتراب حرب جديدة، بحيث بات السؤال المطروح ليس «هل ستقع الحرب؟» بل «متى ستندلع؟». وفي خضم هذا المناخ المتوتر، دخلت الولايات المتحدة على خط المواجهة السياسية الداخلية في لبنان، وتركّز هجومها هذه المرة على رئيس الجمهورية جوزيف عون من خلال استهداف قائد الجيش العماد رودولف هيكل وقيادة المؤسسة العسكرية بشكل مباشر، في خطوة فسّرها كثيرون بأنها محاولة أميركية لإعادة ضبط دور الجيش بما يتلاءم مع الأجندة الأميركية – الإسرائيلية في الجنوب.

أولى المؤشرات تمثلت في تأجيل زيارة العماد هيكل إلى واشنطن، وهي زيارة كانت مقررة غداً، بعد إبلاغه بإلغاء معظم الاجتماعات التي طلبها بذريعة انشغال المسؤولين الأميركيين. كما أكدت سفيرة لبنان في واشنطن ندى حمادة الأمر من خلال برقيات اعتذار أرسلتها إلى شخصيات لبنانية وأميركية، تعلن فيها إلغاء حفل الاستقبال الذي كان مقرراً على شرف قائد الجيش.

هذا التطور لم يكن منفصلاً عن حملة سياسية أميركية انطلقت في واشنطن، إذ شنّ عدد من أعضاء مجلس الشيوخ هجوماً صريحاً على الجيش اللبناني واتهموه بالفشل في نزع سلاح حزب الله. وتتردد في العاصمة الأميركية معلومات بأن هذا الهجوم يستهدف أساساً الرئيس جوزيف عون، باعتبار أنّ واشنطن تحمله مسؤولية عدم تنفيذ الأجندة التي تطالب بها الولايات المتحدة منذ سنوات.

محلياً، سرعان ما انتشرت روايات تربط هذا التصعيد الأميركي بالبيان الأخير الذي أصدره العماد هيكل، واتهم فيه إسرائيل بانتهاك السيادة وزعزعة الاستقرار وعرقلة انتشار الجيش في الجنوب. البيان، الذي اعتبره البعض «مواقف غير مألوفة» تجاه واشنطن، جاء بعد مداخلة للعماد هيكل في مجلس الوزراء أوضح فيها أن الجيش يواجه عراقيل إسرائيلية متعمدة، وأن استمرار هذه العراقيل يضع علامات استفهام حول قدرة الجيش على متابعة المهام في جنوب الليطاني.

وقد رأى مراقبون أن سخط الإدارة الأميركية يكشف نية واضحة لإعادة فتح ملف الدعم العسكري للبنان وطرح سؤال أساسي: هل لا يزال الجيش استثماراً مجدياً بالنسبة لواشنطن؟ هذا في وقت تركز فيه الصحافة الإسرائيلية على ما تصفه «فشل الجيش اللبناني في القيام بالدور المطلوب لمواجهة حزب الله».

وزاد من حدّة المشهد تغريدة السيناتور جوني إرنست التي قالت فيها: «أشعر بخيبة أمل كبيرة من تصريح قيادة الجيش اللبناني… كان يجب على لبنان استثمار الفرصة التي منحتها إسرائيل للنظام اللبناني للتحرّر من إرهابيي حزب الله». وأضافت أنّ توجيه اللوم لإسرائيل «أمر مخزٍ».

من جهته، قاد عضو الحزب الجمهوري من أصل لبناني توم حرب حملة إعلامية في واشنطن، معلناً أن الإدارة الأميركية «محبطة من الحكومة والجيش»، وأنها ألغت جميع الاجتماعات التي كانت مقررة مع العماد هيكل. وأكد أن السفارة اللبنانية اضطرت لإلغاء حفل الاستقبال المفترض.

وتقول مصادر متابعة إنّ القرار الأميركي بإلغاء زيارة هيكل لا يتعلق فقط بالبيان الأخير، بل يأتي نتيجة مسار متراكم بدأ مع التوتر بينه وبين الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس التي حرّضت عليه لدى سياسيين لبنانيين واتهمته بعدم التجاوب مع المطالب الأميركية والإسرائيلية، خصوصاً تلك المتعلقة بمداهمة منازل الجنوبيين بحثاً عن سلاح حزب الله. وقد عبّر هيكل سابقاً عن رفضه لهذه المطالب بدءاً من أنها تشكل استفزازاً خطيراً، مروراً بأنها ستفتح باباً لتصعيد داخلي، وصولاً إلى أنها لن ترضي إسرائيل التي ستطلب المزيد لاحقاً.

أما في الجانب السياسي، فتفسر مصادر لبنانية الخطوة الأميركية باعتبارها رسالة مباشرة إلى الرئيس جوزيف عون، الذي ترى واشنطن أنه «مسؤول أول» عن القرارات العسكرية، وأنه يقف خلف مواقف هيكل الأخيرة. وتعتبر تلك المصادر أن الولايات المتحدة باتت تنقل المواجهة إلى مستوى الدولة اللبنانية نفسها، وليس فقط تجاه حزب الله، وأنها مستعدة للذهاب نحو خطوات أكثر قسوة قد تشمل عزل لبنان أمنياً وعسكرياً ووقف المساعدات الدولية للجيش.

وبحسب المتابعين، فإن الأميركيين يريدون تغيير عقيدة الجيش اللبناني بشكل جذري، بحيث لا يعود ينظر إلى إسرائيل كعدو، ويتوقف عن استخدام خطاب «استفزازي» بحقها، بل ويقف في مواجهة حزب الله بشكل عملي، حتى لو أدى ذلك إلى صدام داخلي. وتحذر مصادر أمنية من أن هذا المسار «غير المعلن» يعني كشف لبنان بالكامل وتركه في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، في وقت تتزايد فيه المؤشرات على نوايا إسرائيلية بالتصعيد جنوباً.

في سياق متصل، برز تطور آخر على الساحة الدبلوماسية يتعلق بزيارة مستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجندر للبنان. إذ تؤكد مصادر دبلوماسية أن هدف الزيارة لا يقتصر على ملف القرار 1701، بل يتعداه إلى طرح مبادرة فرنسية لإدارة وساطة بين لبنان وسوريا لترسيم الحدود البرية بينهما، من مزارع شبعا حتى شمال لبنان. لوجندر حملت معها إلى بيروت وثائق وخرائط فرنسية قديمة من عهد الانتداب، وأبلغت المعنيين بأن باريس تحظى بدعم أميركي مباشر لهذه الوساطة.

وقد وجهت باريس دعوة إلى وفود تقنية لبنانية وسورية للاجتماع في العاصمة الفرنسية، مع عرض لتقديم كل الخرائط التاريخية. إلا أن الجانب اللبناني لم يلمس حتى الآن أي إشارة أميركية مباشرة حول الملف، كما لم يتلقَّ أي موقف سعودي، رغم أن الرياض معنية بالملف السوري – اللبناني في هذه المرحلة.

وتزامناً مع هذه المساعي، يجري الحديث عن زيارة قريبة لنائب رئيس الحكومة طارق متري إلى سوريا للقاء الرئيس أحمد الشرع، بهدف تحريك الملفات العالقة، وخصوصاً ملف السجناء والموقوفين، فيما تُظهر الاجتماعات الأخيرة أن دمشق غير مستعجلة في مسألة ترسيم الحدود حالياً وتركز على القضايا الأمنية والإنسانية.

أما بريطانيا، فدخلت مجدداً على خط الجنوب اللبناني، عبر ممارسة ضغوط جديدة على الجيش بالتنسيق مع واشنطن لنشر أبراج مراقبة إضافية على الحدود الشرقية بذريعة مكافحة التهريب. إلا أن المسؤولين البريطانيين قالوا علناً إن الهدف الحقيقي هو منع وصول سلاح إلى حزب الله، فيما لم تقدم لندن تفسيراً لعدم نصب هذه الأبراج داخل الأراضي السورية رغم أن عمليات التهريب تتم من الجانب السوري.

وبين التصعيد الأميركي، والتحركات الأوروبية، والمخاوف من حرب مقبلة، يجد لبنان نفسه أمام مرحلة شديدة الحساسية، قد تحمل تغييرات جذرية في موقع الجيش ودوره وعلاقته بالمجتمع الدولي، فيما يقف الجنوب على تخوم اشتباك عسكري محتمل تتداخل فيه الحسابات الإقليمية والدولية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 8