ممداني يلوّح باعتقال نتنياهو

2025.11.18 - 02:22
Facebook Share
طباعة

 تشهد ولاية نيويورك الأميركية مشهداً سياسياً غير مألوف، يتقاطع فيه صعود قيادات جديدة تحمل مواقف نقدية حادة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، مع محاولات شخصيات سياسية خاسرة لتأكيد ولائها لإسرائيل في مرحلة ما بعد فقدان السلطة. هذا التناقض اللافت بين شخصيتين بارزتين يعكس تحولاً عميقاً في الخطاب السياسي داخل الولاية، ويمنح القضية زخماً إعلامياً كبيراً مع اقتراب مرحلة سياسية أميركية حساسة.

فعلى مدى الأيام الماضية، بدت نيويورك كأنها تعيش ازدواجية حادة في المواقف العلنية المتعلقة بإسرائيل. فمن جهة، أثارت تصريحات العمدة المنتخب زهران ممداني جدلاً واسعاً بعد إعلانه التزامه بتنفيذ أمر الاعتقال الدولي الصادر بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذا ما قرر الأخير دخول نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن جهة أخرى، ظهر العمدة المنتهية ولايته إريك آدامز في زيارة مثيرة للجدل إلى تل أبيب، قدّم خلالها خطاباً عاطفياً واعتذارياً بدا أقرب إلى محاولة مكشوفة لإعادة التموضع السياسي.

وفي مقابلة مع شبكة ABC الأميركية، أكد ممداني—الذي يستعد لتسلّم منصبه رسمياً—أنه لا يرى في مسألة التعاون مع القانون الدولي مجرد التزام قانوني، بل مسؤولية أخلاقية تفرضها العدالة. وأوضح أنه سيفعل "كل ما في وسعه" لإنفاذ أي مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في حال دخول نتنياهو الولاية، وهو موقف غير مسبوق لمسؤولٍ بهذا المستوى في مدينة تعد إحدى أهم حواضر العالم.
ممداني، المعروف بمواقفه الداعمة لحقوق الفلسطينيين، بدا حازماً في تأكيده أن منصبه لن يكون غطاءً لأي حصانة سياسية، وأن الالتزام بالقانون الدولي لا يتجزأ، حتى لو تعلق الأمر بشخصية سياسية بحجم رئيس وزراء الاحتلال.

وعلى النقيض تماماً، ظهر آدامز في مقطع فيديو نشره على منصة X، وهو يؤدي الصلاة عند حائط البراق داخل المسجد الأقصى، قبل أن يوجه كلمة غلب عليها الطابع الوجداني لشعب إسرائيل. قال آدامز:
"خدمتكم كعمدة، لكنني جئت اليوم لأخبركم أنني سأحتفظ باللقب الذي أعتز به أكثر من أي شيء… وهو أنني أخوكم."
رسالة حملت الكثير من الإيحاءات السياسية، وأثارت موجة واسعة من الانتقادات والتساؤلات، خاصة أنها جاءت مباشرة بعد خسارته منصبه.

التفاعل على منصات التواصل كان حاداً ومشحوناً، إذ تساءل كثيرون عن طبيعة "الخدمة" التي يقول آدامز إنه قدمها لإسرائيل، مؤكدين أن منصبه كعمدة نيويورك لا يبرر أي ارتباط سياسي أو عاطفي بدولة أجنبية على هذا النحو. وانتقد مغردون ما وصفوه "بتماهي آدامز" مع أجندات خارجية، مذكرين بأن أولوياته كان ينبغي أن تبقى داخل مدينته التي تواجه تحديات اقتصادية وأمنية واجتماعية كبيرة.

في المقابل، اعتبر آخرون أن صعود ممداني إلى موقع العمدة مثّل صدمة غير متوقعة للدوائر المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة. تلك الدوائر التي لطالما تمتعت بنفوذ قوي داخل نيويورك تنظر بعين القلق إلى وصول شخصية تحمل مواقف مناهضة لسياسات إسرائيل ومؤيدة لحقوق الفلسطينيين إلى موقع رسمي رفيع. بعض المعلقين وصفوا هذا التحول بأنه "ضربة موجعة" لمراكز النفوذ التقليدية، مؤكدين أن التغيير الحاصل يعكس دينامية سياسية جديدة في الولاية ومعايير جديدة لدى الناخبين.

أما التعليقات الأكثر انتقاداً فركزت على الدوافع التي تقف خلف زيارة آدامز لإسرائيل في توقيت حساس كهذا. فقد رأى كثيرون أن ظهوره أمام الإسرائيليين بخطاب أقرب للاعتذار، بعد أيام من خسارته منصبه، يثير الشبهات حول حقيقة نواياه. وطرح البعض أسئلة مباشرة:
هل يسعى آدامز لتأمين دعم خارجي يمهد لعودته السياسية؟
هل يحاول إرضاء جهات كانت تدعمه خلال توليه المنصب؟
أم أن الزيارة محاولة لتأكيد ولاء يدرك أنه خسره داخل الشارع الأميركي بعد تصاعد الانتقادات تجاهه؟

بعض المدونين ذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن خطابه في القدس حمل قدراً كبيراً من التملّق، ووصفوه بأنه يعكس "إذلالاً سياسياً" يعبر عن مرحلة ما بعد خسارة السلطة، حين يحاول السياسي الحفاظ على شبكة علاقاته الخارجية لتعزيز حضوره المستقبلي.

وهكذا، تتجلى في نيويورك اليوم لوحة سياسية شديدة التناقض:
■ عمدة منتخب يعد بأن يلتزم بالقانون الدولي ويقف بوضوح ضد سياسات الاحتلال.
■ وعمدة منتهٍ يتصرف وكأنه يبحث عن الاعتراف الخارجي، حتى ولو جاء ذلك على حساب صورته المحلية.

هذا الصدام الرمزي بين الموقفين يعكس تحوّلاً أكبر يجري داخل أميركا نفسها، حيث بدأ يتراجع الإجماع التقليدي المؤيد لإسرائيل داخل الأوساط السياسية، في مقابل تنامي تيار شبابي وتقدمي أكثر جرأة في انتقادها. وبينما يتهيأ ممداني لتولي منصبه، يحاول آدامز أن يكتب لنفسه نهاية سياسية على مسرح خارجي، في مشهد لا يخلو من الرمزية والتساؤلات حول مستقبل العلاقة بين نيويورك وإسرائيل خلال السنوات المقبلة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 8