المحاكمات العلنية في الساحل السوري: خطوة نحو العدالة واستعادة الثقة القضائية

2025.11.18 - 12:11
Facebook Share
طباعة

 شهدت مدينة حلب شمال سوريا، اليوم الثلاثاء، انعقاد أولى جلسات المحاكمات العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات وانتهاكات جسيمة في الساحل السوري خلال أحداث آذار الماضي. الجلسة، التي انعقدت في القصر العدلي، مثل أمامها 14 شخصاً من بينهم أفراد مرتبطون بالنظام السابق وبعض عناصر وزارة الدفاع السورية والفصائل الموالية للحكومة، فيما تأجلت محاكمات آخرين إلى جلسات لاحقة مقررة في 18 و25 الشهر المقبل.

قاضي المحكمة أكد أن الإجراءات القضائية ستتم وفق أحكام قانون العقوبات السوري، مع الالتزام بمبادئ الحياد والاستقلالية، مضيفاً أن التهم الموجهة للمتهمين تشمل أعمال الفتنة، وإثارة الحرب الأهلية، وتزعم عصابات مسلحة، والهجمات على القوى العامة، إضافة إلى القتل والنهب والتخريب. وأكد القاضي أن جميع المتهمين سوريون، وأن محاكمتهم تتم بموجب مسؤولياتهم الفردية دون الإشارة إلى أي تسمية بـ”فلول النظام”، في محاولة لتأكيد حيادية الإجراءات القضائية.

الجلسة كانت فرصة لعرض الأدلة والشهادات التي توثق الانتهاكات، وكذلك الاستماع إلى إفادات المتهمين بما ورد في محاضر التحقيق. الجرائم المنسوبة لبعض المتهمين شملت التحريض وإثارة الكراهية الطائفية والقيادة والانخراط في عصابات مسلحة وتنفيذ هجمات ضد المدنيين والقوات الحكومية، بينما ارتبطت الاتهامات الموجهة إلى عناصر الفصائل الموالية للحكومة بأعمال قتل عمدية وانتهاكات ضد المدنيين خلال الأحداث التي شهدها الساحل.

المحاكمات تأتي في سياق جهود اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول أحداث الساحل، والتي أحالت حتى الآن 563 مشتبهاً بهم إلى القضاء وفق المعايير الوطنية والدولية. وأكد المتحدث باسم اللجنة أن الهدف من هذه المحاكمات هو منع إفلات المسؤولين عن الانتهاكات من العقاب وضمان إنصاف الضحايا، مشيراً إلى أن الإجراءات بدأت تباعاً لضمان سلامة الأدلة ومنع أي فرار للمتورطين.

الحدث جذب حضور ذوي الضحايا الذين تابعوا سير الجلسة عن كثب، حاملين آمالاً في أن تمثل هذه المحاكمات خطوة نحو العدالة والمحاسبة، وأن تعزز ثقتهم بالنظام القضائي السوري. ورأى قضاة اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق أن هذه المحاكمات تمثل لحظة فارقة في تاريخ البلاد، تعكس صورة سوريا التي تسعى لترسيخ أسس العدالة والشفافية، وتشكل رادعاً للمجرمين، مع مراعاة حقوق المتهمين وضمان محاكمات عادلة.

أحداث الساحل، التي اندلعت في السادس من آذار الماضي، بدأت بتحركات لعناصر من الجيش السابق استهدفت خلالها قوات الأمن العام في ريف اللاذقية، مما أدى إلى سيطرة مؤقتة على بعض مناطق مدينتي اللاذقية وطرطوس وسقوط قتلى بين صفوف قوات الأمن المدني والعسكري. وقد استُقدمت تعزيزات من وزارتي الدفاع والداخلية، مع تدخل فصائل مسلحة موالية، ما أسفر عن وقوع انتهاكات واسعة طال المدنيين وأسفر عن خسائر بشرية كبيرة.

مع فجر السابع من آذار، استعادت القوات الحكومية السيطرة على المناطق المتأثرة، إلا أن التوترات والاعتداءات خارج نطاق القانون استمرت حتى الثامن من نفس الشهر، ما أوقع أضراراً واسعة في البنية التحتية وخلف آثاراً نفسية واجتماعية على السكان المحليين. في أعقاب ذلك، أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قراراً بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق لدراسة أسباب الأحداث والانتهاكات، مع تقديم توصيات للمحاسبة وتحقيق العدالة.

يُنظر إلى هذه المحاكمات على أنها محاولة لتطبيق القانون على الأرض وتحقيق توازن بين حقوق الضحايا وحقوق المتهمين، وضمان ألا تُترك أي جريمة دون مساءلة، بما يسهم في ترسيخ حكم القانون وإعادة الثقة في النظام القضائي. ورغم التحديات الكبيرة المرتبطة بالتحقيق في أحداث ماضية ووقائع معقدة، إلا أن العملية القضائية تمثل محاولة جادة لتطبيق العدالة والمساءلة بشكل علني وشفاف، ما يعكس التزام الدولة بضمان حقوق جميع السوريين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات.

في المحصلة، تشكل المحاكمات العلنية في الساحل السوري بداية عملية نحو معالجة آثار الانتهاكات الماضية واستعادة الثقة في النظام القضائي، مع مراعاة حقوق جميع الأطراف، وتحقيق عدالة يمكن أن تُساهم في تهدئة الصراعات الطائفية والسياسية المحتملة مستقبلاً.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 4