تشهد سوق العمل الإسرائيلية حالة من الهشاشة غير المسبوقة، وفق ما أفادت به صحيفة "كالكاليست"، حيث ارتفع عدد الوظائف الشاغرة إلى مستويات قياسية تقارب ما سُجّل بعد جائحة كورونا. وتشير الصحيفة إلى أن الأزمة الحالية تختلف جذرياً عن الأزمة السابقة، إذ لم يكن سببها عدم توافق مهارات العمال مع الوظائف، بل الحجم الكبير من الاستدعاءات الاحتياطية المستمرة منذ اندلاع الحرب، والتي خلّفت فجوات واسعة في القوى العاملة وأثّرت بشكل مباشر على قدرة الاقتصاد على توليد الوظائف.
ووفق البيانات التي نشرتها "كالكاليست"، بلغ عدد الوظائف الشاغرة في أكتوبر/تشرين الأول نحو 149.8 ألف وظيفة، مقارنة بـ 147.3 ألف وظيفة في سبتمبر/أيلول، وهو ما يقترب من المستوى القياسي الذي سجل في يونيو/حزيران 2022، عند 151.6 ألف وظيفة. الصحيفة اعتبرت هذا الارتفاع مؤشراً على "نزيف بشري" في مواقع العمل، نتيجة استمرار استدعاء ملايين الإسرائيليين للخدمة الاحتياطية، ما يزيد من تعقيد قدرة الاقتصاد على تلبية احتياجاته من العمالة في القطاعات الحيوية.
ورغم هذه التحديات، شهد عدد العاملين ارتفاعاً نسبته حوالي 4.6% مقارنة بما قبل الحرب في سبتمبر/أيلول 2023، إلا أن الصحيفة وصفته بأنه "زيادة متواضعة جداً" مقارنة بالنمو الذي بلغ 11% بين 2021 و2023، وهو ما يعكس تباطؤاً حاداً في قدرة الاقتصاد على خلق وظائف حقيقية. وقد طال ارتفاع الوظائف الشاغرة معظم القطاعات، مع تسجيل أكبر زيادات في خدمات الضيافة والطعام والتجارة، في حين سجّل قطاع البناء أعلى زيادة على الإطلاق، وهو مؤشر على اضطراب متزايد في القطاعات التي تعتمد على العمالة اليومية بشكل كبير.
من ناحية أخرى، يظهر التباين في نسب التشغيل والبطالة واقع السوق بشكل أوضح. فقد انخفضت نسبة التشغيل من 60.8% إلى 60.2% خلال شهر واحد، وهو تراجع مستمر منذ بداية الحرب، ما يشير إلى أن الاقتصاد غير قادر على تجاوز حاجز 61% رغم الأرقام الرسمية المنخفضة للبطالة. أما معدل البطالة الرسمي، فقد ارتفع قليلاً من 3% (140.1 ألف شخص) إلى 3.2% (145.7 ألف شخص)، لكنها، وفق "كالكاليست"، لا تعكس الواقع الفعلي، إذ يشير جزء كبير من هذا الرقم إلى بطالة احتكاكية ناجمة عن الغياب الواسع عن العمل بسبب الاستدعاءات الاحتياطية والإجازات القسرية.
وبخصوص البطالة الموسعة، التي تشمل العاطلين واليائسين ومن هم في إجازات غير مدفوعة، فقد انخفضت من 4.3% (197.9 ألف شخص) إلى 4.2% (193.2 ألف شخص)، إلا أن الصحيفة اعتبرت هذا الانخفاض "تراجعاً شكلياً لا يعكس حجم الاختلال البنيوي في سوق العمل الإسرائيلي". وأوضحت "كالكاليست" أن سوق العمل في إسرائيل يعاني من نقص حاد في العمالة البنيوية مرتبط مباشرة بضغوط الحرب والخدمة الاحتياطية، وهو ما قد يؤدي إلى امتداد الأزمة لسنوات مقبلة إذا لم يتم التعامل معها بفعالية.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه الأزمة تحمل آثاراً عميقة على الاقتصاد الوطني، حيث تؤثر على قدرة الشركات على الاستمرار، وعلى تقديم الخدمات الأساسية، وعلى النمو الاقتصادي المستدام. كما تؤكد أن ارتفاع الوظائف الشاغرة في قطاعات مثل الضيافة والبناء قد يؤدي إلى تفاقم التضخم وضغط تكاليف الإنتاج، بما يزيد من هشاشة الاقتصاد ويضعف قدرة الحكومة على التعامل مع الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للسكان.
وتنقل "كالكاليست" تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من أن استمرار نقص القوى العاملة قد يجعل التعافي الاقتصادي بعد الحرب أصعب بكثير، إذ يتطلب تعويض الفجوات في العمالة سياسات استباقية، تشمل إعادة تنظيم سوق العمل، وتحفيز العمالة المؤهلة، وضمان توفير بدائل للأفراد المستدعين للاحتياط. كما أن معالجة هذه الفجوة تصبح أولوية لإبقاء الاقتصاد الإسرائيلي قادرًا على الاستجابة للاحتياجات العسكرية والمدنية على حد سواء.
في النهاية، ترى "كالكاليست" أن سوق العمل الإسرائيلي لا يعكس المؤشرات الرسمية للبعض عن انخفاض البطالة، بل يعاني من نقص هيكلي في العمالة، مرتبط مباشرة بالضغوط التي فرضتها الحرب واستدعاءات الاحتياط، مما يخلق حالة غير مسبوقة من الهشاشة في الاقتصاد الإسرائيلي ويهدد استقراره على المدى المتوسط والبعيد.