العنف العشائري في شمال وشرق سوريا: تحديات الأمن المدني واستمرار التوترات

2025.11.18 - 11:01
Facebook Share
طباعة

 شهدت مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا خلال الأشهر الماضية تصاعداً ملحوظاً في موجة الاقتتالات العشائرية، التي طالت المدنيين بشكل مباشر وأسهمت في زعزعة الاستقرار في عدد من المحافظات. وأدت هذه الاشتباكات إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، بينهم رجال ونساء وأطفال، ما يعكس حجم العنف المنتشر في هذه المناطق وأثره المباشر على الحياة اليومية للسكان المدنيين.

توزعت أحداث العنف على محافظات دير الزور والرقة والحسكة وحلب، حيث شهدت دير الزور وحدها أعلى نسبة من الاشتباكات، وأسفرت عن سقوط عشرات الضحايا، تليها الرقة والحسكة وحلب بمعدلات متفاوتة. وأكدت مصادر محلية أن أسباب هذه الاقتتالات متعددة، تشمل النزاعات العشائرية القديمة، الأخذ بالثأر، وفوضى انتشار السلاح بين المدنيين، بالإضافة إلى خلافات محلية حول الموارد والسلطة.

خلال الأشهر الأولى من العام، بدأت موجة الاقتتالات بوتيرة متصاعدة، ففي يناير وشهر فبراير سجلت مناطق دير الزور والرقة والحسكة وقوع عدد من الاشتباكات التي خلفت قتلى وجرحى من المدنيين، بينهم أطفال ونساء، ما سلط الضوء على هشاشة الوضع الأمني في هذه المناطق. وأشار مراقبون إلى أن استمرار هذه النزاعات يعرقل جهود الإدارة الذاتية في تعزيز الاستقرار وتقديم الخدمات الأساسية للسكان، ويضعف سلطة القانون المحلي.

وفي مارس وأبريل وما تلاهما من شهور، تواصلت الاشتباكات، مع بروز مناطق محددة تشهد تكرار الاقتتالات، مثل مدينة دير الزور وريفها، حيث وقعت حوادث أسفرت عن قتلى وجرحى، بينهم أشخاص مسنون وأطفال، ما يعكس خطورة تصاعد العنف العشائري وأثره على المجتمع المدني. وفي الأشهر التالية، استمرت الاقتتالات في الرقة والحسكة وحلب، ما أدى إلى سقوط مزيد من الضحايا وإصابة آخرين بجروح متفاوتة.

ويرى محللون محليون أن العنف العشائري في مناطق الإدارة الذاتية يعكس ضعفاً في ضبط السلاح وانتشار النفوذ المحلي، حيث تفتقد الجهات الإدارية القدرة على السيطرة الكاملة على مناطق نفوذها، مما يفتح الباب أمام تصاعد النزاعات العائلية وتحويلها إلى اشتباكات واسعة. ويضيف هؤلاء أن غياب آليات قانونية فعّالة لتسوية النزاعات يزيد من احتمالية استمرار هذه الموجة، ويهدد الاستقرار الإقليمي في شمال وشرق سوريا.

من جهة أخرى، تقول مصادر داخل الإدارة الذاتية إن السلطات تبذل جهوداً للحد من هذه الاقتتالات، من خلال نشر دوريات أمنية ومحاولة التوسط بين العشائر المتنازعة، لكنها تواجه صعوبات كبيرة بسبب التقاليد العشائرية المتجذرة، وانتشار السلاح بشكل واسع، والافتقار إلى قنوات رسمية لتسوية الخلافات. وتشير هذه المصادر إلى أن إدارة النزاعات تتطلب حواراً مجتمعياً أوسع، بالإضافة إلى دعم دولي لتوفير برامج للسلام المجتمعي وتعزيز سيادة القانون.

كما يلاحظ المراقبون أن استمرار هذه الاقتتالات العشائرية يحمل آثاراً طويلة المدى على المدنيين، حيث تتأثر حياتهم اليومية وأمنهم الشخصي، وتتعطل الخدمات الأساسية في المناطق المتضررة، كما يعزز العنف من انتشار ثقافة الثأر والانتقام، ما يهدد استقرار المجتمعات المحلية ويعقد أي جهود لإعادة بناء سوريا بعد سنوات النزاع الطويلة.

في ضوء ذلك، يرى خبراء أن الحلول تتطلب معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات العشائرية، بما يشمل وضع آليات بديلة لتسوية النزاعات، وضبط انتشار السلاح، وضمان توفير الحماية المدنية، مع إشراك المجتمع المحلي في بناء نظم للعدالة المصغرة والتسوية السلمية للنزاعات. ويؤكد هؤلاء أن أي فشل في معالجة هذه القضايا سيجعل مناطق شمال وشرق سوريا ساحة مستمرة للعنف، ويزيد من معاناة المدنيين ويعيق جهود إعادة الإعمار والاستقرار.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 4