مع التحولات الجارية في سوريا بعد سنوات من النزاع المسلح والانتهاكات، عاد ملف الضباط السابقين في الجيش السوري والنظام السابق إلى واجهة النقاش السياسي والاجتماعي. فبينما يؤكد بعض المنظمات الحقوقية استمرار حالات اعتقال وتعذيب ضد هذه الفئة، تنفي جهات رسمية ومصادر قريبة من الحكومة الجديدة هذه الادعاءات، مؤكدة أن الإجراءات القانونية تستهدف فقط التحقيق مع من يشتبه في ارتكابهم مخالفات محددة.
في الأشهر التي أعقبت سقوط النظام، تعرض العديد من المعتقلين لسلسلة من الانتهاكات، تشمل الاعتقال التعسفي، والتنكيل، وأحيانًا التعرض للتعذيب الجسدي والنفسي. هؤلاء المعتقلون شملوا ناشطين معارضين، وأشخاصًا منتمين للنظام السابق، أو حتى ضباطًا سابقين في الجيش السوري، ما أثار مخاوف من تكرار سيناريو الانتهاكات السابقة، التي طالت آلاف المواطنين خلال العقد الماضي.
منظمات حقوقية أبرزت أن اعتقال أي شخص لمجرد انتمائه إلى النظام السابق، أو بسبب طائفته، أو حتى لمجرد التعبير عن رأي مخالف، يعد خرقًا لحقوق الإنسان. وأشارت إلى أن بعض المعتقلين يواجهون اتهامات غير مدعومة بأدلة، ويعيشون في ظروف صعبة دون معرفة مصيرهم النهائي. هذه الحالات تعكس المخاوف من تحول الملفات الشخصية والسياسية إلى أدوات انتقامية، ما قد يهدد النسيج الاجتماعي في سوريا ويعيد فتح الجروح القديمة.
من جانبها، نفت مصادر حكومية هذه الاتهامات، مؤكدة أن أي اعتقالات تتم وفق إجراءات قانونية واضحة، وأنه لا يوجد أي توجه لاستهداف الضباط السابقين أو ممارسة ضغوط انتقامية بحقهم. وأشارت المصادر إلى أن الحكومة تسعى إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد، وتولي اهتمامًا بحماية جميع المواطنين دون تمييز على أساس الانتماء السياسي أو الطائفي.
الجدل حول هذا الملف يعكس تحديًا أكبر يواجه سوريا في المرحلة الانتقالية، حيث يحاول المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الضغط لضمان حقوق المعتقلين وتوفير آليات رقابية مستقلة. بعض الحقوقيين يرون أن الإفراج عن المعتقلين الذين لا توجد أدلة واضحة ضدهم، وإنشاء لجنة تحقيق مستقلة لمراجعة الانتهاكات السابقة والحالية، يمثلان خطوة مهمة نحو تعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين، وحماية حقوق جميع السوريين دون تمييز.
في الوقت نفسه، يعبر جزء من المجتمع عن قلقه من أن أي إجراءات انتقامية قد تفتح الباب أمام صراعات طائفية أو سياسية جديدة. ويرى خبراء أن استقرار سوريا يعتمد على قدرة الحكومة على التفريق بين المحاسبة القانونية على الانتهاكات الفعلية، وبين أي ممارسات انتقامية قد تستهدف الأشخاص على أساس مواقفهم السابقة أو خلفياتهم الطائفية.
تتوزع الآراء بين من يعتبر أن الضباط السابقين يمثلون خطرًا محتملًا على الأمن إذا لم يتم مراقبتهم، ومن يرى أن استهدافهم دون تحقيقات عادلة يشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار ويعزز الانقسام الاجتماعي. وقد أشارت المصادر الرسمية إلى أن العديد من المزاعم المتداولة حول الانتهاكات الممنهجة ضد الضباط السابقين لم تثبت بعد، وأن التحقيقات جارية في إطار القانون لضمان حقوق الجميع.
كما دعا المجتمع الدولي، عبر منظمات حقوقية دولية، إلى السماح بزيارة السجون والتأكد من أوضاع المعتقلين، ومراجعة الحالات التي لم تقدم فيها تهم واضحة. هذه الخطوات تهدف إلى منع أي أخطاء من الماضي، وضمان أن تكون العدالة تطبيقًا للقانون، لا أداة للانتقام أو التمييز السياسي أو الطائفي.
في النهاية، يظل ملف الضباط السابقين اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة السورية على الالتزام بمعايير حقوق الإنسان، وموازنة الأمن والاستقرار مع حماية حقوق الأفراد. ويظل الحوار حول هذه القضية حساسًا، إذ يوازن بين مخاوف من تكرار الانتهاكات وبين الحاجة إلى بناء دولة تحترم القانون والحقوق، وتحقق المصالحة الوطنية دون استهداف أي فئة بعينها.