تشهد الساحة السياسية المصرية حالة من التوتر المتصاعد بعد انتشار أنباء واسعة عن وقوع انتهاكات وتزوير خلال المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب 2025، الأمر الذي دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى التدخل العلني ومطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بفحص الطعون بدقة واتخاذ قرارات قد تصل إلى إلغاء الانتخابات كليًا أو في بعض الدوائر. وفي أول رد رسمي، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات استعدادها لبحث جميع التظلمات، مؤكدة أنها لا تستبعد أي إجراء يضمن “إرادة الناخبين الحقيقية”.
تصاعد الأزمة وانتشار شكاوى التلاعب
بدأ الجدل مع تداول تقارير وصور وشهادات حول وقوع مخالفات مؤثرة في بعض دوائر النظام الفردي، شملت:
منع أو عرقلة دخول بعض مندوبي المرشحين إلى اللجان.
شكاوى من عدم حصول المندوبين على محاضر فرز الأصوات.
مزاعم بتبديل صناديق أو تعديل أرقام الأصوات في اللحظات الأخيرة.
شكاوى من استخدام المال السياسي والدعاية المحظورة.
هذه المزاعم دفعت مرشحين وحقوقيين وناخبين إلى تقديم طعون جماعية، وسط حالة غضب متزايد على منصات التواصل، ما خلق ضغطًا شعبيًا على الهيئة الوطنية للانتخابات.
الرئيس السيسي يتدخل: “لا تترددوا في الإلغاء إذا استحال معرفة إرادة الناخبين”
في خطوة نادرة، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي بيانًا علنيًا عبر حساباته الرسمية، أكد فيه متابعته لما جرى في بعض الدوائر، ووجه دعوة مباشرة للهيئة الوطنية للانتخابات إلى:
التدقيق التام في فحص الأحداث والطعون.
ضمان حصول كل مندوب مرشح على محضر الفرز من لجانه الفرعية.
اتخاذ القرار الذي يرضي الله ويكشف إرادة الناخبين الحقيقية.
عدم التردد في الإلغاء الكامل أو الجزئي إذا تعذّر التأكد من النتائج.
خطاب الرئيس أعاد خلط المشهد السياسي، إذ اعتبره مراقبون اعترافًا غير مباشر بأن العملية الانتخابية شابتها مخالفات استدعت تدخله.
الهيئة الوطنية للانتخابات: “لن يأتي نائب تحت القبة إلا بإرادة المصريين”
ردّ رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات المستشار حازم بدوي عبر مؤتمر صحفي عاجل، مؤكدًا:
أن الهيئة “لا تملك ما تخفيه” ولا تخشى إعلان أي إجراء أو قرار.
أن مجلس إدارة الهيئة “لا يبتغي إلا مصلحة الشعب”.
أن فحص الشكاوى والطعون مستمر، وأن الإجراءات قد تصل إلى الإلغاء الكامل أو الجزئي.
كما شدد على أن الهيئة ليست بمنأى عن التفاعل مع ما جرى، وأنها ملتزمة بتوفير أقصى درجات الشفافية والاستقلالية.
معركة الشرعية داخل البرلمان القادم
يطرح المشهد الراهن عدة سيناريوهات محتملة:
1. الإلغاء الجزئي لبعض الدوائر
وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا وفق خبراء، بحيث تُعاد الانتخابات في دوائر شهدت مخالفات جسيمة.
2. الإلغاء الكامل للمرحلة الأولى
خطوة ستكون غير مسبوقة لكنها تبقى ضمن الاحتمالات بعد بيان الرئيس.
3. تثبيت النتائج مع عقوبات إدارية
قد تلجأ الهيئة لفرض غرامات واستبعاد بعض المرشحين المخالفين دون إعادة واسعة.
4. تمدد الأزمة إلى المرحلة الثانية
خاصة إذا استمرت المخالفات أو تصاعد الغضب الشعبي.
أزمة ثقة ممتدة في النظام الانتخابي
الأزمة الحالية ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن واجهت انتخابات 2020 و2021 انتقادات واسعة من المعارضة وبعض المراقبين الدوليين حول شفافية الإجراءات، إلا أن الأزمة الحالية تبدو أعمق:
لأن الطعون موثقة بصور وفيديوهات.
ولأن الرئيس نفسه اعترف بوجود “أحداث تستوجب الفحص”.
ولأن الهيئة لوّحت بإلغاء نتائج مرحلة كاملة.
هذه العوامل تجعل أزمة 2025 الأخطر منذ عودة الانتخابات البرلمانية بعد 2013.
مصر تقف أمام لحظة سياسية حساسة. فالمشهد الحالي لا يتعلق فقط بشبهات تزوير، بل بمعركة على شرعية البرلمان المقبل وصورة النظام السياسي أمام الرأي العام المحلي والدولي.
وبين دعوة السيسي لعدم التردد في الإلغاء، وتعهد الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان الحقيقة كاملة، تبقى الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت الأزمة ستنتهي بإعادة جزئية، أم أنها ستفتح الباب أمام مراجعة أوسع لطريقة إدارة الانتخابات في البلاد.