العراق بين ضغوط أنقرة وإرث “العمال الكردستاني”

2025.11.17 - 04:45
Facebook Share
طباعة

في خطوة لافتة تعبّر عن تحوّل في مقاربة بغداد للملف الكردي–التركي، شدّد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين على رفض بلاده القاطع لوجود عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، ولا سيما في سنجار ومخمور وجبال قنديل. يأتي هذا الموقف في لحظة إقليمية حساسة، تتزامن مع إعلان الحزب انسحابه من إحدى مناطق شمال العراق المحاذية لتركيا، واستكماله سلسلة خطوات سياسية وعسكرية تمهّد لقراءة جديدة في مستقبله بعد عقود من القتال.


الموقف العراقي – محاولة ضبط معادلة معقدة

أكد حسين في مقابلة مع "العربية/الحدث" أن صبر بغداد تجاه وجود الحزب بلغ مداه، وأن هذا الوجود غير مقبول للحكومة الاتحادية، ولا لحكومة إقليم كردستان. وتكشف تصريحاته عن محاولة عرقنة ملف مزمن لطالما استُخدم ورقة ضغط إقليمية:

بغداد تريد ضبط الحدود ومنع التوغل التركي المتكرر.

أربيل تسعى لتحجيم قوة الحزب في مناطق نفوذها.

أنقرة تدفع بقوة نحو تفكيكه الكامل لضمان أمن حدودها الجنوبية.


وفي خلفية هذا الموقف، يظهر أن العراق يحاول ترسيخ سيادته على المناطق الحدودية، بعد سنوات من استغلال الحزب لفراغ الدولة والصراعات الداخلية.


تفكيك حزب العمال الكردستاني… مسار غير تقليدي

يأتي تصريح وزير الخارجية متزامنًا مع استمرار عملية "تفكيك" الحزب التي انطلقت رسميًا عام 2024 عبر حزب المساواة والديمقراطية في تركيا، لتبلغ ذروتها في مايو 2025 عندما أعلن الحزب حلّ نفسه استجابة لدعوة مؤسسه عبدالله أوجلان.

محطات مفصلية في مسار الحل:

1. أكتوبر 2024: بدء الاتصالات غير المباشرة بين أنقرة والحزب عبر قنوات سياسية.


2. مايو 2025: إعلان حلّ الحزب رسميًا بعد 40 عامًا من المواجهة المسلحة التي خلفت أكثر من 50 ألف قتيل.


3. يوليو 2025 – السليمانية: مراسم إلقاء السلاح بمشاركة 30 مقاتلاً بينهم أربعة قياديين، في مشهد اعتبرته أنقرة "تاريخيًا".


4. أكتوبر 2025 – قنديل: سحب القوات من الأراضي التركية إلى شمال العراق، والدعوة لتركيا للمضي بالأطر القانونية لحماية عملية السلام.

 

ورغم هذا المسار، لا تزال بؤر وجود الحزب داخل العراق تشكّل عامل توتر مستمر، سواء لبغداد أو لأنقرة أو لأربيل.


دلالات الانسحاب من مناطق الشمال العراقي

إعلان الحزب انسحابه من منطقة حدودية مع تركيا "كانت تشكّل خطراً لنشوب صراع" يعد خطوة ذات أبعاد متعددة:

رسالة تهدئة تجاه تركيا.

محاولة إعادة التموضع بعيدًا عن خطوط الاشتباك الساخنة.

ضغط على بغداد وأربيل لإدخاله في صيغة سياسية–اجتماعية جديدة.

إعادة تفعيل دور أوجلان كمحور مركزي في أي تسوية مستقبلية.


هذه الخطوة تُقرأ أيضًا كاختبار لنوايا أنقرة، التي رغم ترحيبها العلني، لا تزال تتحفظ على تثبيت الحزب داخل شمال العراق.


تركيا… من ساحة الحرب إلى غرفة التشريع

في أغسطس 2025 شكل البرلمان التركي لجنة خاصة لصياغة القواعد الأساسية لمرحلة ما بعد السلاح، بما يشمل منح الحزب إطارًا قانونيًا يسمح له بالتحول إلى كيان سياسي مدني.

خطوة اللجنة البرلمانية تعكس رغبة تركيا في الإمساك الكلي بمسار التسوية، ومنع أي فراغ يمكن أن يعيد الحزب إلى العمل المسلح، مع الإبقاء على خطوط ضغط مفتوحة داخل العراق.


حسابات بغداد… بين تهديد الأمن وورقة السياسة

بالنسبة للعراق، يمثل وجود العمال الكردستاني:

تهديدًا مباشرًا للسيادة بسبب العمليات التركية الجوية والبرية المستمرة.

عامل توتر داخلي بين الإقليم والحكومة الاتحادية.

ملفًا مرتبطًا بوكالات ومصالح دولية تستغل الورقة الكردية منذ عقود.


ومع انخراط تركيا في مسار تفاوضي مع الحزب، تجد بغداد نفسها أمام فرصة لإعادة رسم حدود علاقتها بأنقرة، لكن أيضاً أمام مخاطر ملء الفراغ الذي سيخلّفه انسحاب الحزب.


العراق أمام مفترق طرق

تكشف التصريحات العراقية الأخيرة عن رغبة واضحة في التخلص من عبء وجود حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، تزامنًا مع انتقال الحزب إلى مرحلة جديدة من تاريخه. إلا أنّ هذا المسار لا يزال محفوفًا بأسئلة مفتوحة:

هل تلتزم أنقرة بمرحلة ما بعد السلاح وتخفف عملياتها داخل العراق؟

هل يستطيع الحزب الانتقال إلى العمل السياسي دون انشقاقات أو مجموعات رافضة؟

وهل ستستثمر بغداد اللحظة لإعادة ترتيب أمن الحدود وإنهاء الممرات الخارجة عن سيطرتها؟


ما يجري اليوم هو إعادة تشكيل واسعة للصراع الكردي–التركي، والعراق في قلب هذه المعادلة، إما لاعباً مباشراً أو ساحة تتحرك عليها القوى الإقليمية.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 1