الغلاء يثقل كاهل اللبنانيين رغم تراجع التضخم: الأسباب والآثار

2025.11.17 - 03:58
Facebook Share
طباعة

تشهد الاسواق اللبنانية مفارقة حادة بين الأرقام الرسمية الصادرة عن “الإحصاء المركزي” وبين الواقع المعيشي الذي يعيشه المواطن يومياً فبينما تشير البيانات إلى تراجع معدلات التضخم إلى نحو 15% مع استقرار سعر الصرف عند حدود 89,500 ليرة للدولار، تستمر أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في الارتفاع بوتيرة تثقل كاهل اللبنانيين، ما يكشف فجوة واسعة بين المؤشرات الاقتصادية المعلنة وبين حركة الأسعار الفعلية داخل المتاجر.
هذا الواقع يثير تساؤلات واسعة حول الأسباب الكامنة وراء الغلاء، ومدى فاعلية الرقابة الرسمية في ضبط فوضى التسعير.

ويرى خبراء اقتصاديون أن قراءة الأسعار لا تحتاج اليوم إلى أرقام أو دراسات، إذ يكفي أن يدخل المواطن أي متجر ليلمس الارتفاع المتواصل في أسعار السلع، ولا سيما المواد الغذائية، منذ بداية العام وحتى الآن. وتشير بيانات “الإحصاء المركزي” إلى أن معدلات التضخم شهدت تراجعاً تدريجياً منذ عام 2020 حين بلغت نحو 222%، وانخفضت في العام التالي إلى 181%، واستمرت بالانخفاض في السنوات اللاحقة، وصولاً إلى معدل يقارب 15% هذا العام. ومع ذلك، تُظهر الأرقام الشهرية ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية يتراوح بين 2 و3%، رغم تراجع الأسعار العالمية لسلع أساسية مثل الزيوت والقمح والذرة.

يُرجع الخبراء هذا التناقض إلى مجموعة عوامل مترابطة، أبرزها تراجع القدرة الشرائية للدولار عالمياً بنسبة تراوح بين 15 و17%، الأمر الذي يرفع كلفة الاستيراد في بلد يعتمد على الخارج لتأمين 85% من حاجاته الاستهلاكية. إضافة إلى ذلك، ترتفع كلفة الإنتاج المحلي نتيجة اعتماد الصناعات اللبنانية على مواد أولية مستوردة، وارتفاع كلفة الكهرباء والنقل والتمويل، وجميعها تُحتسب بالدولار.
كما يسهم تعديل الرسوم الجمركية واعتماد أسعار صرف جديدة في دفع عدد من التجار إلى زيادة الأسعار بشكل واسع وغير متناسب، في ظل غياب رقابة فعلية تسمح لعدد محدود من المستوردين والتجار بالتحكم بالسوق.

ويؤكد متخصصون في السياسات الاقتصادية أن ضبط الأسعار لا يتحقق عبر التدخل الإداري أو القرارات التنظيمية وحدها، لأن لبنان يعتمد اقتصاد السوق الحر والحل الحقيقي يكمن في تعزيز المنافسة عبر دعم القطاعات الإنتاجية، ولا سيما الصناعات الغذائية والقطاع الزراعي، لتخفيف الاعتماد على الاستيراد.
غير أن تنفيذ هذه الخطوات يصطدم بواقع قطاع مصرفي متعثر وبنية تحتية غير فعّالة، الأمر الذي يرفع الكلفة التشغيلية، حيث تصل كلفة الكيلوواط/ساعة إلى نحو 37 سنتاً، وهو من أعلى المعدلات عالمياً، إضافة إلى ارتفاع كلفة الإنترنت والاتصالات والنقل.

يخلص الخبراء إلى أن معالجة أزمة الأسعار تتطلب إصلاحات اقتصادية شاملة تشمل إعادة النهوض بالقطاع المالي، وتحسين البنى التحتية، وتوفير بيئة إنتاجية قادرة على المنافسة، إذ لا يمكن تحقيق أي خفض حقيقي في الأسعار ما لم تُعالج جذور الاختلالات البنيوية في الاقتصاد اللبناني. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 3