تعيش المخيمات الفلسطينية في لبنان مرحلة من الاحتقان المتصاعد، في ظل موجة احتجاجات واسعة تعكس عمق الأزمة الاجتماعية والمعيشية التي يواجهها اللاجئون، إثر استمرار سياسة تقليص الخدمات المقدّمة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا». ومع غياب قنوات التواصل الرسمية بين الوكالة والفصائل الفلسطينية، تعقّدت الأزمة أكثر، وتحوّلت إلى مواجهة سياسية تمسّ طبيعة التمثيل الفلسطيني ودور الوكالة داخل المخيمات.
في هذا السياق، جاء البيان الحادّ الصادر عن «اللقاء التشاوري الوطني الفلسطيني» موجهاً إلى المديرة العامة للوكالة دوروثي كلاوس، في خطوة اعتبرها مراقبون مؤشراً على انتقال الاحتجاجات من مسار المطالب الخدماتية إلى مسار سياسي يحمّل إدارة الأونروا مسؤولية تدهور الثقة مع اللاجئين.
ويُظهر البيان سعي اللقاء التشاوري لإعادة تنظيم العلاقة بين الوكالة والمجتمع الفلسطيني، بعد سلسلة إجراءات يراها كثيرون إقصائية وغير منسجمة مع مبدأ الشراكة مع الفصائل. وترى أوساط متابعة أنّ البيان يشكّل «محاولة لقلب الطاولة» على الإدارة الحالية، عبر توجيه انتقادات مباشرة للسياسات التي يُنظر إليها على أنها حصرت التمثيل الفلسطيني بجهة واحدة، وهو ما أثار اعتراضاً داخل المخيمات ودفع اللقاء إلى محاولة إعادة التوازن لمنظومة الحوار.
ورغم لهجته العالية، يحرص اللقاء التشاوري، كما تشير تقديرات سياسية، على التأكيد أنه غير معني بتوتير الوضع في الشارع، بل يسعى إلى إعادة تصويب المسار، مع تحميل إدارة الأونروا مسؤولية التدهور. وهذا الموقف يشكّل، وفق المتابعين، رسالة واضحة إلى الدولة اللبنانية بأن الأزمة ليست مع الفصائل، وإنما مع السياسات المتّبعة داخل الوكالة، والتي أضعفت الثقة وأجّجت الاحتجاجات.
أما الإشارة إلى «خطوات تصعيدية قد لا تُحمد عقباها»، فهي مرتبطة، بحسب التحليلات، بغضب شعبي متصاعد داخل المخيمات أكثر مما هي دعوة إلى العنف، إذ تخشى الفصائل من انفجار اجتماعي واسع إذا استمرت إدارة الوكالة في تجاهل مطالب اللاجئين، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة.
ويمتدّ خطاب اللقاء التشاوري أيضاً نحو السلطة الفلسطينية، التي تتعامل مع ملف الأونروا عبر تحالف ثلاثي يضم السلطة والوكالة والدولة اللبنانية ممثلة بلجنة الحوار. ويؤكد اللقاء أنه لن يقبل بتفرّد السلطة في هذا الملف، وأنه يمثل شريحة واسعة من اللاجئين ويطمح للعب دور فاعل في صياغة مقاربة جديدة لإدارة العلاقة مع الأونروا.
كما يسعى اللقاء لتقديم نفسه كقوة فلسطينية موحّدة بنسخة مختلفة عن فصائل العمل المشترك التقليدية، عبر طرح نفسه كإطار تمثيلي قادر على مواجهة سياسات الوكالة، مع الحرص على عدم تكرار تجارب الفصائل السابقة التي فقدت حضورها الشعبي في المخيمات.
ومع اتساع رقعة الاحتجاجات وارتفاع حدّة التوتر، يبدو أن المواجهة تتجه نحو مزيد من التصعيد، خصوصاً مع توجيه الغضب الشعبي مباشرة نحو دوروثي كلاوس. فالأزمة لم تعد محصورة بالخدمات أو تقليص المساعدات، بل تحوّلت إلى أزمة سياسية تمسّ دور الأونروا في لبنان وموقعها ضمن منظومة التمثيل الفلسطيني.
وفي ظل استمرار غياب الحوار الرسمي، يزداد احتمال تدخّل الدولة اللبنانية لمنع الانزلاق نحو مواجهة أوسع، خصوصاً مع التحذيرات من أن كل قرار جديد يصدر عن الوكالة من دون توافق، يعمّق الفجوة مع اللاجئين ويهدد بزعزعة الاستقرار داخل المخيمات، في مرحلة دقيقة قد تعيد فتح ملف قضية اللاجئين على نحو غير مسبوق.