يضع المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، في جلسته الأخيرة برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، جملة من الملفات المعقدة التي تتقاطع فيها التطورات الأمنية مع الضغوط السياسية والاجتماعية المتراكمة وينطلق المجلس في موقفه من ازدياد الاعتداءات الإسرائيلية واتساع رقعة القصف ليشمل مناطق مدنية مأهولة، ما يرفع مستوى التوتر المحلي ويزيد المخاوف من توسّع المواجهة نحو مساحات أوسع.
في هذه الصورة، يدعو المجلس إلى تفعيل التحرك السياسي والدبلوماسي مع الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الدولية من أجل إلزام الجانب الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة والإفراج عن الأسرى اللبنانيين. ويضع هذا الطرح النقاش أمام مسار طويل من المفاوضات المتوقفة وغياب حلول جذرية تعالج جذور المواجهة.
البيان يشير إلى سقوط ضحايا مدنيين وعسكريين جراء الاعتداءات، ما يضيف أعباءً جديدة على الواقع الاجتماعي ويعيد طرح ملف حماية السكان في المناطق الأكثر عرضة للتصعيد العسكري.
في الوقت نفسه، يعبر عن تقديره لمواقف الحكومة ورئيسها نواف سلام في ما يتصل بالثوابت الوطنية والسيادية، مع التأكيد على أنّ ضبط الوضع الأمني مرتبط بحصر السلاح بالمؤسسات الشرعية والانتقال إلى معالجة مباشرة للتحديات التي تطاول الأمن الداخلي.
من جهة أخرى، تضع الهيئة علامة استفهام حول تغييب لبنان عن مؤتمرات دولية مرتبطة بمستقبل منطقة الشرق الأوسط، معتبرًا أنّ هذا الاستبعاد يعكس مؤشرات تراجع في الدور الإقليمي والسياسي للدولة اللبنانية، وهو تراجع يرتبط بجملة عوامل داخلية وخارجية.
ايضاً في الشأن السياسي الداخلي، يتوقف المجلس عند السجالات البرلمانية حول قانون الانتخابات المقبلة، وخصوصًا ما يرتبط بمشاركة المغتربين. ويعتبر أنّ الانقسامات الحالية تهدد انتظام العملية التشريعية وتفرض حاجة ملحّة لتسوية تسمح بإقرار القانون بما يحفظ حقوق الناخبين أينما وُجدوا.
اقتصاديًا، يسلّط الضوء على أزمة متسارعة الوتيرة تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع قيمة العملة الوطنية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية ويرى المجلس أنّ هذا الوضع يضغط على كل أسرة لبنانية في المدن والبلدات والقرى، ما يستدعي تدخلًا رسميًا واسعًا يعالج التدهور المعيشي والصحي والبيئي.
كما يتوقف المجلس عند إعلان السعودية فتح آفاق اقتصادية مع لبنان، معتبراً أنّ هذه المبادرة تحمل فرصة قد تساعد على التخفيف من حدة الأزمة إذا توفرت إدارة وطنية فعّالة. ويرحب المجلس بزيارة البابا لاوون الرابع عشر، آملًا أن تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ قيم العيش المشترك.
هكذا يتشكل المشهد اللبناني بين ضغط خارجي متصاعد وتحديات داخلية متشابكة، فيما تبدو الحاجة ملحّة لرؤية واضحة تمكّن الدولة من استعادة موقعها ودورها في ظرف إقليمي بالغ الحساسية.