أعادت تقارير قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) إحياء النقاش حول طبيعة السلوك الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، بعد تأكيدها أن جدراناً خرسانية جديدة شيدها الجيش الإسرائيلي تجاوزت الخط الأزرق في أكثر من موقع، مستقطعة مساحات من الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يشكل انتهاكاً واضحاً للسيادة اللبنانية وللقرار الأممي 1701. وتضع هذه التطورات الجيش الإسرائيلي مجدداً تحت دائرة الاتهام بانتهاج سياسة فرض الأمر الواقع، في وقت يشهد فيه الجنوب توتراً متصاعداً منذ اندلاع الحرب على غزة.
تجاوزات موثّقة: جدار T-Wall يخرق الخط الأزرق
أجرت اليونيفيل في أكتوبر مسحاً جغرافياً لجدار خرساني من نوع T-Wall شيده الجيش الإسرائيلي جنوب غرب بلدة يارون، وأكدت النتائج أن الجدار تخطّى الخط الأزرق، ما أدى إلى استقطاع أكثر من 4,000 متر مربع من الأراضي اللبنانية ومنع الأهالي من الوصول إليها.
وبحسب البعثة، فقد تم إبلاغ الجانب الإسرائيلي رسمياً بوجوب نقل الجدار جنوب الخط الأزرق التزاماً بقرار مجلس الأمن رقم 1701.
انتهاكات متواصلة رغم التحذيرات
تؤكد اليونيفيل أن إسرائيل لم تكتفِ بالمخالفة الأولى، إذ لاحظ عناصر البعثة خلال نوفمبر أعمال بناء إضافية لجدار مشابه في المنطقة نفسها. وأظهر مسح جديد أن قسماً من الجدار المشيّد جنوب شرق يارون تجاوز الخط الأزرق مرة أخرى، ما يعني أن خرق القرار 1701 لم يكن حادثاً منفرداً بل سلوكاً متكرراً.
وفي المقابل، تفيد اليونيفيل بأن الجدار الذي بنته إسرائيل بين عيترون ومارون الراس يقع بالكامل جنوب الخط الأزرق، في إشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي يختار الالتزام موضعياً فقط عندما يخدم ذلك ترتيباته الأمنية أو العملياتية.
الموقف الأممي: انتهاك واضح للسيادة اللبنانية
تشدّد اليونيفيل في بيانها على أن أي وجود أو نشاطات بناء إسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية يعدّ انتهاكاً مباشراً للقرار 1701 ولسيادة لبنان وسلامة أراضيه، مؤكدة أنها ستنقل النتائج الجديدة رسمياً لقوات الاحتلال.
كما جدّدت البعثة دعوتها للجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب الكامل من جميع المناطق الواقعة شمال الخط الأزرق واحترام حدوده الدولية كما تم التوافق عليها بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000.
تغيير خرائطي تحت غطاء “الأمن”
لجوء إسرائيل إلى بناء جدران خرسانية على طول الحدود، ومعاودة تجاوز الخط الأزرق، يدخل في إطار محاولة خلق واقع حدودي جديد، مستغلة التوتر القائم منذ الحرب على غزة ومحاولات الضغط على لبنان وحلفائه.
ويؤكد خبراء لبنانيون أن إسرائيل تستغل انشغال مجلس الأمن بالأزمة الإقليمية لإحداث تعديلات صامتة في المناطق المتاخمة للحدود، بهدف تحسين مواقعها الأمنية في حال توسّع المواجهة مع حزب الله.
تأتي هذه التطورات في وقت يواصل فيه لبنان التأكيد على التزامه بالقرار 1701، مقابل توثيق أممي متكرر لانتهاكات إسرائيلية جوية وبرية وبحرية. ويعتبر التمدّد الإسرائيلي عبر الجدران الجديدة إخلالاً مباشراً بآلية فضّ الاشتباك التي رسختها الأمم المتحدة منذ 2006، وتحدياً واضحاً للسيادة اللبنانية.
وبينما تواصل اليونيفيل جهودها لاحتواء الخروقات، فإن استمرار إسرائيل في فرض وقائع ميدانية قد يقود إلى تصعيد إضافي، خصوصاً مع اقتراب مناطق البناء من بلدات جنوبية مأهولة ومع تزايد التوتر على الجبهة الشمالية بفعل الحرب في غزة.