تتزايد حالة الارتباك داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل مع تداول تقارير عبرية تشير إلى أن الولايات المتحدة تدرس اتخاذ خطوة وُصفت بأنها “غير مسبوقة” لصالح الجيش المصري، عبر السماح للقاهرة بالحصول على مقاتلات F-15EX Eagle II المتطورة، إضافة إلى صواريخ جو–جو بعيدة المدى، ما تعتبره تل أبيب تهديدًا مباشرًا لهيمنة سلاحها الجوي التي حافظت عليها لعقود بدعم أمريكي شبه مطلق.
ورغم أن إسرائيل اعتادت الحصول على أحدث الإصدارات من الطائرات الأمريكية قبل أي دولة في المنطقة، إلا أن التطورات الأخيرة دفعت محللين عبريين إلى التحذير من “تحوّل استراتيجي في واشنطن” يعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط، وسط إشارات إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تتعامل مع التفوق الإسرائيلي باعتباره خطًا أحمر مطلقًا في سياق منافستها العالمية مع الصين.
تحركات مصرية – صينية تُربك واشنطن وتل أبيب
يكشف موقع “ناتسيف.نت” العبري أن التغيير الجاري يعود إلى حدث واحد اعتبره “مفصليًا”: التمرين الجوي المشترك بين مصر والصين في 2025 تحت اسم “نسور الحضارة”.
التمرين الذي شاركت فيه مقاتلات J-10C الصينية، تخللته تصريحات إعلامية صينية مفادها أن الطائرات “نجحت في تجاوز أنظمة المراقبة الأمريكية في البحر الأحمر”، وهي جملة أثارت انزعاجًا كبيرًا في واشنطن، واعتُبرت مؤشرًا على اتساع نفوذ بكين داخل المجال الأمني للشرق الأوسط.
يرى الموقع أن هذه الرسائل دفعت الإدارة الأمريكية إلى إعادة تقييم موقفها التقليدي الرافض لتزويد مصر بمقاتلات متقدمة مثل الـF-15، خشية المساس بالتفوق النوعي لإسرائيل. لكن في ظل الاحتكاك الأمريكي – الصيني المتصاعد، أصبحت واشنطن ـ وفق الموقع ـ أكثر انفتاحًا على دعم القدرات العسكرية المصرية لقطع الطريق أمام تمدد بكين.
زيارة حاسمة إلى البنتاغون
بحسب تحليل "Tactical Report"، شكّلت زيارة رفيعة المستوى قامت بها وفود عسكرية مصرية إلى البنتاغون منتصف العام الحالي “نقطة تحول حقيقية”، أدت إلى ما وصفه التقرير بـ “مرونة غير مسبوقة” لدى واشنطن بشأن الصفقة.
تقدمت مصر بطلب لشراء 18 إلى 25 مقاتلة كدفعة أولى، مع إمكانية التوسع لاحقًا إلى 34 طائرة، وبتمويل مباشر من الخزانة المصرية، دون الاعتماد على المساعدات العسكرية الأمريكية. وأشارت التقارير إلى أن واشنطن قد توافق على نماذج مخففة التكنولوجيا من الـF-15EX، لكن مع قدرات قتالية أعلى بكثير من أي طراز حصلت عليه القاهرة سابقًا.
قدرات F-15EX… نقلة نوعية لمصر
تعد الـ F-15EX Eagle II واحدة من أكثر المقاتلات تطورًا في العالم، وتتميز بـ:
سرعة قصوى: 3,017 كم/ساعة
منظومات متقدمة للحرب الإلكترونية والرصد
صواريخ BVR ذات المدى البعيد
قدرة على حمل ذخائر كبيرة مع منظومات ملاحة واتصال محدثة
إمكانيات تتجاوز قدرات الدفاعات الجوية التقليدية
هذه المميزات، بحسب الموقع العبري، تمنح مصر لأول مرة قدرة جوية استراتيجية “تتجاوز مدى الرصد والتحييد الإسرائيلي”.
غضب إسرائيلي: الحفاظ على التفوق الجوي مبدأٌ مُهدَّد
صحيفة “غلوباس” العبرية أعادت التذكير بأن القاهرة طلبت منذ 2022 شراء 46 طائرة F-15، لكن واشنطن كانت ترفض الموافقة بسبب معايير “التفوق النوعي” لإسرائيل.
ومع ذلك، تذكّر الصحيفة بأن إسرائيل نفسها حصلت عام 2024 على صفقة تشمل 50 طائرة F-15IA المتطورة، بقدرات مصممة حصريًا لمتطلبات سلاح الجو الإسرائيلي، منها:
رادار AESA فائق التطور
خوذة ذكية للطيارين
منظومات إنذار صاروخي محمية
قدرة حمل 13.3 طن من الذخائر
مدى طيران 2,222 كم
انخفاض في التكلفة التشغيلية بنسبة 25%
وتشدد الصحيفة على أن أي طراز ستحصل عليه مصر سيكون — حتى لو تم — أقل بكثير من النسخة التي ستدخل الخدمة في إسرائيل.
الموقع العبري يهاجم مصر… وواشنطن أيضًا
لم يكتفِ موقع “ناتسيف.نت” بالتحذير من الصفقة، بل اتهم مصر بالقيام بـ “مناورة سياسية ذكية” عبر إظهار الانفتاح على الصين لتحفيز الأمريكيين على تقديم تنازلات.
كما شكّك في قدرة القاهرة على تمويل الصفقة، معتبرًا أن “الاقتصاد المصري يعاني من صعوبات داخلية”، وهو طرح تكرره وسائل إعلام إسرائيلية بهدف التشكيك في نجاح أي تحديث عسكري مصري.
الأهم أن الموقع اتهم الإدارة الأمريكية بأنها “تخلت عن أمن إسرائيل” لصالح حسابات جيوسياسية أوسع، مستشهدًا بمفاوضات واشنطن لبيع مقاتلات متقدمة للسعودية وقطر وتركيا.
أزمة في تل أبيب: نفوذ الحكومة يتراجع
يحمّل التقرير الحكومة الإسرائيلية مسؤولية “العجز عن التأثير على القرار الأمريكي”، في إشارة واضحة إلى توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الخلافات المتكررة حول حرب غزة والسياسات الداخلية لحكومة نتنياهو.
ويخلص الموقع إلى أن تطورًا من هذا النوع قد يضع الأمن الجوي الإسرائيلي أمام “اختبار وجودي” للمرة الأولى منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.
تعكس التحليلات العبرية حجم الارتباك داخل إسرائيل كلما اقتربت القاهرة من امتلاك قدرات عسكرية متطورة.
ورغم محاولات تل أبيب تصوير الصفقة باعتبارها تهديدًا مباشرًا لأمنها، إلا أن التغير الحقيقي يكمن في تراجع قدرتها على احتكار التفوق العسكري بعد عقود من الدعم الأمريكي غير المشروط.
وبينما تتجه واشنطن لإعادة ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط ضمن صراعها مع الصين، يبدو أن إسرائيل لم تعد اللاعب الوحيد الذي يحصل على “صك الحصرية العسكرية”، وهو ما يفتح الباب أمام تحولات أعمق في معادلات القوة الإقليمية خلال السنوات المقبلة.