تسود الدوائر السياسية والأمنية في إسرائيل حالة من القلق المتصاعد تجاه مشروع القرار الأمريكي المطروح في مجلس الأمن بشأن غزة، والذي يتضمن إنشاء قوة دولية لـ“الاستقرار” في القطاع، إلى جانب بنود تعتبرها تل أبيب «غير مريحة» وتمسّ مباشرة بقدرتها على التحكم في مخرجات المرحلة التالية للحرب.
وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن المسودة الأمريكية – التي جرى إعدادها بالتنسيق مع دول عربية وبالاستناد إلى الإطار السياسي لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – تحمل إشارات واضحة إلى دعم مسار يفضي إلى تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية، وهو ما تعتبره إسرائيل محاولة لإعادة طرح ملف الدولة رغم رفضها المعلن.
تعديلات أمريكية تثير استياء تل أبيب
وفقًا للصحيفة الإسرائيلية، فإن المسودة الأمريكية تضمّنت عدة نقاط أثارت تحفظًا داخل الحكومة الإسرائيلية، من أبرزها:
1. التلويح بمسار مؤسّس لدولة فلسطينية
تتضمن الفقرة الثانية صياغة موسّعة تؤكد أنه، وبعد تنفيذ إصلاحات «موثوقة» في السلطة الفلسطينية وتقدّم عمليات إعادة إعمار غزة، قد تتوفر الظروف لفتح مسار فعلي لتقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية.
هذا التعديل يتقاطع بصورة لافتة مع المبادرة الفرنسية الأخيرة، والتي أعلنها الرئيس إيمانويل ماكرون، وتشمل صياغة دستور للدولة الفلسطينية بالتعاون مع القيادة في رام الله.
2. نزع حقّ النقض الإسرائيلي على تركيبة القوة الدولية
المسودة الأمريكية تطرح آلية جديدة تسمح باختيار الدول المشاركة في قوة الاستقرار دون منح إسرائيل حق النقض (الفيتو). وتعتبر تل أبيب ذلك مساسًا بصلاحياتها الأمنية وقدرتها على التأثير في القوة التي ستنتشر على حدودها الجنوبية.
3. التزام أمريكي بإطلاق “حوار سياسي” بين إسرائيل والفلسطينيين
تؤكد النصوص أن الولايات المتحدة ستقيم حوارًا مباشرًا بين الجانبين للتوصل إلى "أفق سياسي لتعايش مزدهر". وهو ما يُنظر إليه في إسرائيل على أنه محاولة أمريكية لإحياء العملية السياسية رغم معارضة الائتلاف الحاكم.
4. استبدال مفهوم "الحكومة الانتقالية"
استُبدلت عبارة “حكومة انتقالية” بمصطلح “إدارة انتقالية” تقودها هيئة سُمّيت «مجلس السلام»، سبق أن اقترحها ترامب ضمن خطة “النقاط العشرين”. ويعكس التعديل رغبة واشنطن بالالتفاف حول الهياكل التقليدية للحكم الفلسطيني وتشكيل إطار جديد داخل غزة.
إطار اتفاق وقف إطلاق النار… مع تعديلات غير مريحة
ورغم أن الإطار العام للمسودة الأمريكية ما يزال محافظًا على بنود اتفاق وقف إطلاق النار، فإن التعديلات المطروحة تضيف – بحسب مسؤولين إسرائيليين – التزامات تتجاوز ما ترغب تل أبيب في تقديمه، خاصة تلك التي ترتبط بعودة المسار السياسي أو إشراك السلطة الفلسطينية في ترتيبات ما بعد الحرب.
وتنص الفقرة الأولى من المسودة على تنفيذ كامل لاتفاق وقف إطلاق النار “بحسن نية ودون تأخير”، في إشارة إلى رغبة واشنطن بإجبار الأطراف على وقف أي مماطلة سياسية أو ميدانية.
مشهد التصويت… وإمكانية تأجيل اللحظات الأخيرة
وفق جدول مجلس الأمن، من المفترض أن يُطرح مشروع القرار للتصويت يوم الاثنين المقبل. ورغم ذلك، تشير المعطيات إلى:
احتمال التأجيل ما يزال مطروحًا إذا فشلت المفاوضات الجارية في تحقيق تفاهمات نهائية.
دبلوماسيون أمريكيون يرجّحون أن معظم الدول الأعضاء ستدعم المشروع.
التوقعات الحالية تشير إلى أن روسيا والصين ستتجهان إلى الامتناع عن التصويت بدل استخدام الفيتو.
المسودة الأمريكية باتت تمتلك دعمًا مؤكّدًا من تسع دول، وهو الحدّ الأدنى لتمرير القرار في حال غياب الفيتو.
لماذا يقلق الإسرائيليون؟
1. تخوّف من عودة المسار السياسي
ترى الأوساط الإسرائيلية أنّ واشنطن تعود تدريجيًا لنهج دعم “حل الدولتين”، مستخدمة بوابة غزة لإجبار إسرائيل على تقديم تنازلات سياسية لم تكن على طاولة حكومة تل أبيب.
2. نهاية السيطرة المنفردة على غزة
وجود قوة دولية بقرار من مجلس الأمن – دون فيتو إسرائيلي على الدول المشاركة – يعني لأول مرة منذ 2005 دخول طرف ثالث يتقاسم النفوذ الأمني في غزة، وهو ما تعتبره المؤسسة الأمنية الإسرائيلية “سابقة خطيرة”.
3. تزايد التأثير العربي والدولي
صياغة المسودة بالتنسيق مع دول عربية تعكس تحوّلًا في نمط الوساطة، بحيث لم تعد واشنطن تمنح إسرائيل تفويضًا كاملًا كما في السنوات الماضية.
4. قلق من ارتباط الإعمار بالحل السياسي
ربط إعادة إعمار غزة بإصلاحات السلطة وفتح مسار الدولة يعني أن إسرائيل لن تستطيع فرض معادلة “إعمار مقابل تهدئة” بمعزل عن الملف السياسي.
يكشف مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن عن تحول واضح في مقاربة واشنطن لملف غزة، مع محاولة فرض ترتيبات أمنية وسياسية جديدة لا تنسجم مع حسابات إسرائيل. وبين دعم دولي آخذ في الاتساع وقلق إسرائيلي متزايد، يبدو أن مرحلة ما بعد الحرب تتجه نحو إعادة رسم التوازنات في غزة، بما يعيد ملف الدولة الفلسطينية إلى جدول الأعمال الإقليمي والدولي من جديد.