في خطوة وُصفت بالمفاجئة داخل الأوساط الإعلامية والسياسية الإسرائيلية، أعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس قرارًا بإغلاق إذاعة الجيش الإسرائيلي "غالي تساهال" بحلول الأول من مارس عام 2026، منهياً بذلك مسيرة إعلامية امتدت أكثر من سبعين عامًا، منذ تأسيس المحطة عام 1950 كمنبر رسمي تابع للمؤسسة العسكرية.
وقالت الإذاعة في بيانها إن القرار يشمل وقف البث نهائيًا وتشكيل فريق مهني داخل وزارة الدفاع للإشراف على عملية الإغلاق وتنظيم الانتقال إلى هيكل إعلامي جديد، دون أن توضح ما إذا كانت ستنشأ بدائل أو منصات بديلة للمهام التي كانت تضطلع بها الإذاعة.
كاتس: الجيش ليس طرفًا في الجدل السياسي
وبرر وزير الدفاع قراره بأن استمرار عمل الإذاعة في شكلها الحالي "يُورّط الجيش في الخطاب السياسي الإسرائيلي ويهدد مكانته كجيش وطني جامع"، مؤكدًا أن الهدف من تأسيس الإذاعة كان خدمة الجنود وعائلاتهم وليس الدخول في السجالات السياسية أو الانتقادات الموجهة للمؤسسة العسكرية.
وأضاف كاتس، في تصريحات نقلتها هيئة البث الإسرائيلية "كان"، أن "غالي تساهال" تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى منبر إعلامي مفتوح أمام الأصوات المعارضة لسياسات الجيش والحكومة، ما جعلها — بحسب تعبيره — عبئًا على المؤسسة العسكرية أكثر من كونها ذراعًا إعلامية لها.
من إذاعة عسكرية إلى منصة رأي عام
تُعد إذاعة "غالي تساهال" واحدة من أكثر المؤسسات الإعلامية نفوذًا في إسرائيل، إذ تبث على مدار الساعة، وتجمع بين الطابعين العسكري والمدني، حيث تقدم نشرات إخبارية وبرامج تحليلية وتعليمية وترفيهية، وتحظى بنسبة متابعة مرتفعة داخل المجتمع الإسرائيلي، بما في ذلك الأوساط السياسية والإعلامية.
ويُنظر إليها منذ عقود بوصفها "مدرسة الصحافة الأولى" في إسرائيل، حيث خرجت أجيال من المذيعين والمحررين الذين انتقلوا لاحقًا إلى القنوات المدنية الكبرى مثل "القناة 12" و"القناة 13" و"هيئة البث العامة".
إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعد الانتقادات من اليمين الإسرائيلي ضد الإذاعة، بزعم تبنيها خطابًا ليبراليًا ناقدًا لسياسات الحكومة، خاصة خلال الحرب على غزة، حيث بثت تغطيات ميدانية وتقارير تُتهم بأنها تُظهر الجانب الإنساني في القطاع أكثر من التركيز على الرواية العسكرية الرسمية.
أزمة أعمق داخل المنظومة الإسرائيلية
يرى مراقبون أن القرار يعكس تحولًا أوسع في علاقة المؤسسة العسكرية بالإعلام والمجتمع داخل إسرائيل، في ظل تراجع الثقة الشعبية بالجيش بعد حرب غزة المستمرة، وتزايد الجدل حول دوره في صنع القرار السياسي والأمني.
كما يُفسر بعض المحللين الخطوة على أنها محاولة من وزير الدفاع كاتس لإعادة فرض الانضباط الإعلامي داخل الجيش بعد مرحلة من الانفلات والتسريبات، ولإغلاق نافذة إعلامية أصبحت تُحرج الحكومة أمام الرأي العام الداخلي والدولي.
تأسست إذاعة "غالي تساهال" عام 1950 كوسيلة اتصال داخلية بين الجيش والجنود، قبل أن تتحول تدريجيًا إلى منصة إعلامية وطنية عامة، تموَّل من ميزانية وزارة الدفاع بالإضافة إلى إيرادات الإعلانات.
ومنذ التسعينيات، اتسع نطاق بثها المدني، وأصبحت منابرها الحوارية تستضيف سياسيين ومعارضين، الأمر الذي أثار جدلًا دائمًا حول استقلاليتها وحدود تبعيتها للجيش.
إغلاق الإذاعة، بحسب مراقبين إسرائيليين، قد يشكّل سابقة في تاريخ الإعلام العسكري الإسرائيلي، ويفتح نقاشًا واسعًا حول مستقبل العلاقة بين المؤسسة الأمنية ووسائل الإعلام في دولة طالما استخدمت الإعلام كأداة لتوجيه الرأي العام وتثبيت سرديتها الرسمية.