تحركات مصرية لاحتواء لبنان: وساطة أم نفوذ جديد؟

2025.11.12 - 08:15
Facebook Share
طباعة

 تشهد الساحة اللبنانية حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا من جانب القاهرة، في وقت تتزايد فيه التوترات بين لبنان وإسرائيل عقب تجدد القصف على مناطق جنوب البلاد. يأتي ذلك بعد أيام قليلة من توقيع هدنة في غزة وعقد “قمة شرم الشيخ للسلام”، ما أعاد مصر إلى واجهة المشهد الإقليمي كلاعب يسعى لتثبيت الاستقرار على أكثر من جبهة.

في هذا السياق، عقد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، لقاءً مع نظيره اللبناني نواف سلام في القاهرة مطلع الشهر الجاري، ضمن أعمال اللجنة المصرية-اللبنانية المشتركة التي عادت للانعقاد بعد توقف استمر ست سنوات. وأكد مدبولي خلال المؤتمر الصحفي الختامي ضرورة التوصل إلى حل دائم للأزمة بين لبنان وإسرائيل وانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني.

بالتزامن، زار رئيس المخابرات المصرية بيروت والتقى كبار المسؤولين اللبنانيين، بينهم الرئيس جوزيف عون، حيث جرى بحث الوضع الأمني في الجنوب وإمكانية توسيع اتفاق “شرم الشيخ” ليشمل لبنان، وسط تأكيد مصري على الاستعداد للمساهمة في تثبيت الاستقرار ومنع أي تصعيد جديد.


ملامح المبادرة المصرية
تتحدث مصادر دبلوماسية عن ملامح ما بات يُعرف بـ“المبادرة المصرية”، والتي تهدف إلى احتواء التوتر على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. وتشير المعلومات إلى أن المبادرة تتضمن وقفًا كاملاً للأعمال العسكرية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من نقاط حدودية محددة، مقابل التزام لبناني بإعادة انتشار الجيش في الجنوب، مع بحث مستقبل سلاح “حزب الله” في إطار تفاهمات داخلية لبنانية – دولية.

كما تسعى القاهرة، بحسب تلك المعطيات، لتأمين مظلة عربية ودولية للمبادرة بمشاركة واشنطن وعدد من الدول الإقليمية، خشية من انزلاق الموقف نحو مواجهة مفتوحة بين إسرائيل ولبنان من شأنها أن تقوّض الهدنة في غزة وتعيد إشعال المنطقة بأكملها.


وساطة أم رسالة سياسية؟
يرى مراقبون أن التحرك المصري يأتي ضمن مسعى مزدوج: من جهة تقديم دعم سياسي ومعنوي للبنان، ومن جهة أخرى نقل رسائل غير معلنة من أطراف دولية وإقليمية لتجنّب التصعيد. وتربط تحليلات دبلوماسية هذا النشاط بزيارة رئيس المخابرات المصرية إلى بيروت عقب لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، ما يوحي بأن القاهرة تلعب دور الوسيط الناقل للمواقف بين الطرفين.

ويعتقد بعض المتابعين أن هذه الوساطة لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل تحمل أيضًا أبعادًا سياسية تتعلق بدور مصر في ملفات المنطقة بعد سنوات من الانكفاء النسبي، في وقت تشهد فيه الساحة السورية تحولات جذرية بعد التغير السياسي في دمشق وصعود القيادة الجديدة.


بين دمشق وبيروت… حسابات متشابكة
يثير هذا النشاط المصري تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين القاهرة ودمشق، خصوصًا أن التنسيق بين البلدين في الملف اللبناني محدود حتى الآن. فبينما تتجه سوريا في المرحلة الانتقالية نحو توثيق علاقاتها العربية، لا تزال القاهرة تتعامل بحذر مع النظام السوري الجديد، مدفوعة بعوامل داخلية وإقليمية معقدة.

ويرى باحثون في الشؤون الإقليمية أن مصر، رغم تحفظاتها، تسعى للحفاظ على حضورها في المعادلة اللبنانية كوسيط محتمل بين إسرائيل ولبنان، ولتأكيد دورها الإقليمي في ظل المنافسة مع قوى عربية أخرى. ويشير هؤلاء إلى أن القاهرة تدرك محدودية تأثيرها المباشر داخل لبنان بسبب غياب قنوات اتصال فاعلة مع القوى المؤثرة كـ“حزب الله”، إلا أنها تراهن على شبكة علاقاتها مع الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية لدفع مسار التسوية.

في المقابل، يعتقد آخرون أن نجاح المبادرة المصرية – إن تحقق – سيمنح القاهرة نفوذًا جديدًا في المشرق العربي، ويمكّنها من لعب دور موازن في الملفات المرتبطة بسوريا ولبنان، خاصة في ظل محاولات عربية لإعادة رسم التوازنات الإقليمية.


مقاربة حذرة ودور قيد الاختبار
تبدو المقاربة المصرية حذرة ومدروسة، إذ تحاول القاهرة الإمساك بخيوط الوساطة دون أن تصطدم بأي من الأطراف الرئيسية. فهي من جهة تحافظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن جهة أخرى تسعى لإبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع لبنان والدول العربية الداعمة له.

ويرى مراقبون أن الدور المصري في لبنان سيشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة القاهرة على استعادة ثقلها التقليدي في المنطقة، بعد سنوات من التراجع أمام النفوذين التركي والإيراني. كما أن نجاحها في تحقيق اختراق بالملف اللبناني سيعيد إليها مكانتها كوسيط إقليمي مؤثر، بينما فشلها قد يفتح الباب أمام أطراف أخرى لملء هذا الفراغ.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 2