شهد البيت الأبيض اجتماعًا ثلاثيًا ضمّ وزراء خارجية سوريا وتركيا والولايات المتحدة، في خطوة وُصفت بأنها الأكثر أهمية منذ بدء مسار الانفتاح السياسي على دمشق.
اللقاء الذي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره التركي هاكان فيدان، ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، ركز على مناقشة مستقبل العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون “قيصر”، وسبل دعم التعافي الاقتصادي للبلاد.
وقال الوزير التركي في تصريحات أعقبت الاجتماع إن المحادثات تطرقت إلى آليات رفع العقوبات، مشيرًا إلى أن أنقرة ترى أن استمرار “قيصر” يعرقل جهود الاستقرار الإقليمي، ويمنع فرص الاستثمار وإعادة الإعمار. وأكد أن بلاده تدعم مسارًا تدريجيًا لإنهاء العقوبات بالتنسيق مع واشنطن ودمشق.
وأوضح فيدان أن الاجتماع يأتي استكمالًا لحوار بدأ في أنطاليا خلال أيار الماضي، لبحث التعاون الإقليمي في سوريا، مضيفًا أن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، يواصل العمل على ملف التطبيع الاقتصادي والسياسي بين دمشق وواشنطن، خصوصًا في ما يتعلق بمناطق الشمال الشرقي والجنوب السوري.
وشدد الوزير التركي على أن “رفع العقوبات لا يعني التغاضي عن الانتهاكات السابقة، بل فتح صفحة جديدة لدعم الشعب السوري”، مشيرًا إلى أن بلاده ترى ضرورة أن تتبنى الإدارة الأمريكية موقفًا واضحًا يدعم إلغاء قانون “قيصر” من الكونغرس، تمهيدًا لمرحلة من “الاستقرار المتبادل”.
كما ناقش الاجتماع الأوضاع في محافظة السويداء ومناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي البلاد. وقال فيدان إن سوء إدارة هذه الملفات قد يهدد وحدة الأراضي السورية، مؤكدًا أن المجتمعين متفقون على ضرورة الحفاظ على سيادة سوريا وسلامة جميع مكوناتها العرقية والدينية.
من جانبها، أعلنت وزارتا الخزانة والتجارة الأمريكيتان، في بيان مشترك، تمديد تعليق تطبيق عقوبات “قيصر” جزئيًا لمدة 180 يومًا إضافية.
وأوضح البيان أن التعليق الجديد يستبدل الإعفاء السابق الذي صدر في أيار الماضي، ويوقف العمل بمعظم العقوبات المفروضة، باستثناء تلك التي تشمل معاملات مالية أو تجارية مع روسيا وإيران.
وذكرت الوزارتان أن الهدف من القرار هو “تمكين الشركات الأمريكية والدولية من الانخراط في مشاريع اقتصادية وتنموية داخل سوريا، مع الحفاظ على القيود المفروضة على الجهات الخاضعة لعقوبات منفصلة”.
كما أكّد البيان التزام الولايات المتحدة بدعم “سوريا موحّدة، مستقرة وسلمية”، مشيرًا إلى أن رفع العقوبات سيسمح بإعادة بناء الاقتصاد وتحقيق الرخاء لجميع المواطنين، بمن فيهم الأقليات العرقية والدينية.
وأشار البيان إلى أن العقوبات ستبقى سارية على “المتورطين بانتهاكات جسيمة أو أنشطة غير مشروعة”، بما في ذلك شخصيات من النظام السابق، ومهربي “الكبتاغون”، والجهات التي تزعزع الاستقرار الإقليمي، مع استمرار تصنيف سوريا كـ“دولة راعية للإرهاب” إلى حين صدور مراجعة جديدة.
ويرى محللون أن الاجتماع الثلاثي يعكس تحوّلًا تدريجيًا في مقاربة واشنطن للملف السوري، إذ تسعى الإدارة الأمريكية إلى موازنة بين الحفاظ على نفوذها في المنطقة ومنح دمشق فرصة للتعافي الاقتصادي، ضمن ضوابط محددة.
بينما يعتبر آخرون أن أنقرة تحاول لعب دور الوسيط بين الجانبين، مستفيدة من علاقاتها المتشابكة مع كليهما، في وقت تبدو فيه روسيا منشغلة بملفات أخرى تقلل من حضورها في الساحة السورية.
ويُنتظر أن تستمر المفاوضات التقنية خلال الأشهر المقبلة، في ظل توقعات بإعلان خطوات إضافية من جانب واشنطن تتعلق بتسهيل حركة الاستثمار وإعادة الإعمار، في حال تحقق تقدم ملموس في الحوار السياسي بين الأطراف الثلاثة.