تواصلت، اليوم الثلاثاء، لليوم الثاني على التوالي، عملية التصويت في انتخابات مجلس النواب المصري لعام 2025، في أجواء هادئة اتسمت بالإقبال الكثيف في عدد من المحافظات، خصوصًا في مناطق الصعيد والوجه البحري.
وأشارت تقارير محلية إلى انتظام سير العملية الانتخابية دون حوادث تُذكر، مع حضور ملحوظ لكبار السن والنساء، في حين وُصفت مشاركة الشباب بأنها متوسطة.
انتشار أمني مكثف وتدابير تنظيمية مشددة
عززت الأجهزة الأمنية وجودها في محيط اللجان الانتخابية، بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للانتخابات، لتأمين سير الاقتراع وضمان عدم حدوث تجاوزات.
كما تمّ نشر قوات إضافية في محطات المترو والسكك الحديدية والمواقف العامة لتسهيل وصول الناخبين، في ظل إجراءات تنظيمية بدت أكثر انضباطًا مقارنة بالاستحقاقات السابقة.
وأكدت الهيئة الوطنية للانتخابات أنها خصصت غرف عمليات في المحافظات الأربع عشرة المشمولة بالمرحلة الأولى، لمتابعة سير العملية ميدانيًا وتلقي الشكاوى في الوقت الفعلي.
المرحلة الأولى بالأرقام
تشمل المرحلة الأولى 14 محافظة هي: الجيزة، الفيوم، بني سويف، المنيا، أسيوط، الوادي الجديد، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان، البحر الأحمر، الإسكندرية، البحيرة، ومرسى مطروح.
ويبلغ عدد الناخبين في هذه المرحلة 35,279,922 ناخبًا، موزعين على 5606 لجان فرعية ضمن 70 دائرة انتخابية.
ويتنافس 1281 مرشحًا على المقاعد الفردية، إضافة إلى قائمة انتخابية واحدة في قطاع غرب الدلتا وقطاع وسط وجنوب وشمال الصعيد.
المشهد الحزبي: هيمنة “مستقبل وطن” وغياب المنافسة الجادة
تُجرى الانتخابات في ظل هيمنة شبه مطلقة لحزب “مستقبل وطن”، الذي يعدّ القوة السياسية الأقرب إلى السلطة التنفيذية، ويقود معظم التحالفات الانتخابية في الدوائر الفردية والقوائم.
ويواجه الحزب منافسة محدودة من كيانات سياسية صغيرة، مثل “الوفد الجديد” و“الشعب الجمهوري” و“إرادة جيل”، بينما تراجع الحضور السياسي للتيارات المعارضة، سواء ذات التوجه اليساري أو الليبرالي، لأسباب تتعلق بالتمويل والتنظيم وصعوبة الحشد.
ويرى محللون سياسيون أن هذه المعطيات تجعل المشهد الانتخابي أقرب إلى “سباق محسوم النتائج”، حيث يتوقع أن يحافظ “مستقبل وطن” على الغالبية البرلمانية التي تمكّنه من تمرير التشريعات الداعمة لبرنامج الحكومة المقبلة.
التحالفات الانتخابية: توافق فوقي أكثر منه تنافسي
تسود العملية الانتخابية حالة من التوافق الحزبي غير المعلن، إذ تجنبت القوى المحسوبة على التيار المدني الدخول في صدامات انتخابية مفتوحة مع الحزب الحاكم، مفضلة المشاركة الرمزية لتأكيد الحضور.
كما تمّ تشكيل عدد من القوائم الائتلافية التي جمعت أحزابًا متعددة الاتجاهات تحت مظلة واحدة، ما جعل الطابع التنافسي ضعيفًا في كثير من الدوائر.
وفي المقابل، تغيب الحملات ذات الطابع الأيديولوجي أو البرامجية، إذ تتركز الدعاية على الخطاب الخدمي المحلي، كتحسين البنية التحتية أو دعم المشروعات الصغيرة، في حين تقلّ الإشارات إلى القضايا السياسية الكبرى أو الملفات الإقليمية.
الناخب المصري بين البرود السياسي والبحث عن الاستقرار
على الرغم من ارتفاع نسب المشاركة في بعض اللجان، تشير ملاحظات ميدانية إلى وجود قدر من الفتور السياسي العام، إذ يتعامل كثير من الناخبين مع الانتخابات كواجب إداري أكثر منه خيارًا سياسيًا.
وتعكس هذه الحالة استمرار الفجوة بين المواطن والنخبة السياسية، في ظل محدودية الدور الرقابي للبرلمان خلال الدورات الماضية، وضعف الثقة في قدرة المجلس الجديد على إحداث تغييرات جوهرية في السياسات العامة.
ومع ذلك، يرى البعض أن الإقبال النسبي على التصويت يعكس رغبة في الحفاظ على الاستقرار السياسي، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية والإقليمية التي تشهدها المنطقة.
البرلمان المقبل: صلاحيات موسعة وتحديات اقتصادية
ينتظر البرلمان الجديد دور تشريعي محوري، خصوصًا في ملفات الإصلاح الاقتصادي، ومراجعة قوانين الاستثمار، والضرائب، والدين العام، فضلًا عن دوره في الرقابة على أداء الحكومة المقبلة.
كما يُتوقع أن يشهد المجلس مناقشات حول العلاقات المدنية – العسكرية، وتوازن السلطات، وإعادة هيكلة بعض القطاعات الاقتصادية الحساسة.
ويرى مراقبون أن التركيبة المقبلة ستمنح الحكومة مساحة واسعة للحركة التشريعية، لكنها في المقابل ستضع عبئًا سياسيًا على الأغلبية البرلمانية في مواجهة الملفات الاجتماعية والاقتصادية الشائكة.
في المحصلة، تبدو انتخابات مجلس النواب 2025 اختبارًا لتوازنات المشهد السياسي المصري بين الشكل التنافسي والمضمون الإداري، إذ تسعى الدولة إلى إظهار مشهد ديمقراطي مستقر، بينما يترقب الشارع مدى انعكاس هذه الانتخابات على الواقع المعيشي والتمثيل الحقيقي للمواطنين داخل البرلمان القادم.