سرقة تماثيل رومانية نادرة من المتحف الوطني في دمشق

2025.11.11 - 02:19
Facebook Share
طباعة

أعلنت قيادة الأمن الداخلي في محافظة دمشق عن فتح تحقيق واسع بعد سرقة عدد من القطع الأثرية النادرة والتماثيل القديمة من المتحف الوطني في العاصمة السورية، في حادثة تُعد من أخطر السرقات التي طالت المواقع الأثرية السورية خلال السنوات الأخيرة.

أكد العميد أسامة محمد خير عاتكة، قائد الأمن الداخلي في محافظة دمشق، أن الجهات المختصة باشرت عمليات التتبع والتحري فور وقوع السرقة مساء أمس، مشيرًا إلى أن الجهود تتركز حاليًا على تحديد هوية الفاعلين واستعادة التماثيل والمقتنيات المسروقة.

وأضاف عاتكة في تصريحات لوكالة الأنباء السورية (سانا): “تم فتح تحقيق فوري في الحادثة، ويجري استجواب عناصر الحراسة وعدد من العاملين في المتحف للوقوف على ملابسات الحادث وظروف وقوعه.”

ووفقًا لمصادر في هيئة الآثار والمتاحف السورية، فإن القطع المسروقة تشمل مجموعة من التماثيل الرومانية النادرة التي كانت معروضة في القاعة الغربية للمتحف، وهي من بين أهم المقتنيات التي توثق الحقبة الكلاسيكية في التاريخ السوري.

ذكرت وكالة “أسوشيتد برس” نقلًا عن مسؤولين سوريين أن اللصوص تمكنوا من سرقة تماثيل حجرية صغيرة وأوانٍ أثرية تعود إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين، وهي فترة ازدهرت فيها المدن السورية القديمة مثل تدمر وبصرى الشام ودمشق، وكانت جزءًا من الطرق التجارية الرومانية الممتدة من البحر الأبيض المتوسط حتى بلاد الرافدين.

كما يُعتقد أن بعض هذه القطع كانت خضعت لعمليات ترميم دقيقة خلال العقد الماضي، بعد تعرضها لأضرار خلال الحرب، ما يجعل فقدانها اليوم ضربة قاسية لجهود إعادة تأهيل التراث السوري.

يُعد المتحف الوطني بدمشق أقدم وأكبر متحف في سوريا، وأحد أبرز المتاحف في العالم العربي.
تأسس عام 1919، وافتُتح رسميًا عام 1936 في مبنى مهيب قرب ساحة الأمويين، ليكون شاهدًا على عمق الحضارات التي مرت على الأراضي السورية عبر آلاف السنين.

يضم المتحف مقتنيات نادرة من عصور مختلفة، من الآثار السومرية والآشورية والآرامية، مرورًا بالحضارة اليونانية والرومانية والبيزنطية، وصولًا إلى العصر الإسلامي والحديث.
ومن أبرز معروضاته واجهة معبد الحضر في تدمر، ولوحات الفسيفساء البيزنطية، والمخطوطات العربية القديمة، إلى جانب مجموعة أثرية ضخمة من تماثيل تدمر الحجرية الشهيرة.

خلال سنوات الحرب، تعرض المتحف لمخاطر كبيرة، إذ أُغلق لفترات طويلة خوفًا من عمليات النهب أو القصف، وتم نقل العديد من القطع الأثرية إلى مواقع آمنة في دمشق وحمص لحمايتها.
وأُعيد افتتاحه رسميًا في عام 2018 بعد عمليات ترميم واسعة بإشراف اليونسكو وبدعم دولي، ليعود مركزًا ثقافيًا وسياحيًا رمزيًا في العاصمة السورية.

أثارت حادثة السرقة الجديدة موجة من القلق في الأوساط الثقافية داخل سوريا وخارجها، خاصة أن البلاد فقدت آلاف القطع الأثرية خلال سنوات الحرب، بعضها هُرّب إلى الأسواق السوداء والمزادات العالمية.

وأكدت مصادر في وزارة الثقافة السورية أن الوزارة تواصلت مع الإنتربول الدولي لتعميم أوصاف القطع المسروقة، ومنع تهريبها أو بيعها خارج البلاد.
وقال مصدر مسؤول في الهيئة العامة للآثار:
“ما حدث يثير الريبة، خاصة أن المتحف مجهّز بأنظمة مراقبة حديثة، ما يشير إلى احتمال وجود تواطؤ أو معرفة مسبقة بمواقع القطع القيمة.”

أهمية المتحف الوطني في الذاكرة السورية

لا يُعتبر المتحف الوطني مجرد مؤسسة ثقافية، بل رمزًا للهوية التاريخية السورية التي تمتد عبر آلاف السنين.
فهو يجسد التعدد الحضاري السوري، من الفينيقيين إلى الآراميين، ومن الإغريق والرومان إلى العصور الإسلامية، ما يجعله شاهدًا على دور سوريا كجسر حضاري بين الشرق والغرب.

ويعد المتحف أحد أبرز المقاصد السياحية والثقافية في دمشق، ويستقطب سنويًا عشرات آلاف الزوار، إضافة إلى الباحثين وعلماء الآثار من مختلف دول العالم.
كما يمثل وجوده مركزًا مهمًا لإعادة توثيق التراث السوري الذي تضرر بفعل الحرب والتهريب والدمار.

تحقيقات مستمرة واحتمال توسيع دائرة الاشتباه

تواصل الأجهزة الأمنية السورية تحقيقاتها في الحادثة، وسط ترجيحات بوجود شبكة منظمة متخصصة بتهريب الآثار، تعمل على استهداف المتاحف والمستودعات الأثرية في دمشق وحمص وحلب.

وتشير المعلومات الأولية إلى أن عملية السرقة جرت بدقة عالية، مستغلة فترة انقطاع التيار الكهربائي مساء الأحد، ما سهّل للّصوص اقتحام القاعة الغربية دون تفعيل نظام الإنذار.

وبحسب مصادر داخلية، فإن التحقيقات تشمل مراجعة سجلات الدخول والخروج للموظفين، وتحليل تسجيلات الكاميرات التي تعمل على مولدات احتياطية، في محاولة لتحديد المسار الزمني للسرقة.

الذاكرة والتهريب.. الوجه الآخر للأزمة

تُعيد هذه الحادثة إلى الأذهان موجة نهب الآثار التي شهدتها سوريا خلال سنوات الحرب، حيث اختفت آلاف القطع من متاحف تدمر والرقة ودير الزور، ووصل بعضها إلى مزادات فنية في أوروبا والولايات المتحدة.
ورغم الجهود المبذولة لاستعادة بعض القطع، فإن شبكة تهريب الآثار لا تزال نشطة، مدفوعة بالطلب المتزايد في السوق السوداء على المقتنيات الشرق أوسطية القديمة.

تمثل سرقة التماثيل الرومانية من المتحف الوطني بدمشق انتكاسة جديدة للمشهد الثقافي السوري، وتحديًا للجهود الحكومية والدولية في حماية الإرث التاريخي للبلاد.
وفي انتظار نتائج التحقيقات الجارية، تبقى الأسئلة مفتوحة حول الجهات التي تقف خلف العملية، وما إذا كانت حادثة منفردة أم جزءًا من شبكة تهريب أوسع تستهدف الذاكرة التاريخية لسوريا ومخزونها الأثري الفريد. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 6