في تطور خطير يعكس تصاعد النزعة العدوانية الإسرائيلية وتكثيف التنسيق العسكري مع واشنطن، كشف مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أن الهدف الإستراتيجي لإسرائيل في المرحلة المقبلة هو إسقاط النظام الإيراني بالكامل قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ووفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية، قال المسؤول إن إيران تعيد حاليًا بناء مخزونها من الصواريخ المتطورة الذي تم استنزافه خلال الحرب التي اندلعت في يونيو الماضي واستمرت 12 يومًا. وأضاف أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تراقب عن كثب الأنشطة الإيرانية في مجال تطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة، معتبرًا أن أي مواجهة مقبلة ستكون "أطول وأكثر عنفًا".
وفي السياق ذاته، نقلت القناة 13 العبرية عن مصدر أمني قوله إن إسرائيل تُحضّر لجولة عسكرية جديدة، مشيرًا إلى أن المؤسسة العسكرية تعمل على تحديث خطط الطوارئ لمواجهة سيناريوهات تشمل ضربات متبادلة مباشرة مع إيران وحلفائها في المنطقة.
شهد شهر يونيو الماضي حربًا خاطفة استمرت 12 يومًا بين الجانبين، شنت خلالها إسرائيل غارات مكثفة على مواقع إيرانية حساسة، استهدفت وفق الرواية الإسرائيلية قادة عسكريين بارزين ومراكز أبحاث نووية وبرامج تطوير الصواريخ.
لكن تقارير غربية – بينها تقرير نشرته نيويورك تايمز – كشفت لاحقًا أن الضربات لم تحقق أهدافها المعلنة، وأن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية النووية الإيرانية كانت "محدودة للغاية"، ما اعتبره مراقبون فشلًا استخباراتيًا وعسكريًا لإسرائيل رغم الدعم الأمريكي المباشر.
إسرائيل تبرّر هذه الاستعدادات الجديدة بذريعة "منع إيران من تدمير إسرائيل"، في حين يرى مراقبون أن تل أبيب تستخدم هذا الخطاب لتبرير استمرار سياساتها العدوانية وتوسيع نطاق الحرب إلى الجبهة الإيرانية، مستفيدة من الغطاء السياسي الذي توفره إدارة ترامب.
كما تشير تقديرات استخبارية غربية إلى أن إسرائيل تسعى لإشعال مواجهة إقليمية شاملة قبل نهاية الولاية الأمريكية الحالية، خشية تغيّر الموقف الأمريكي في حال فوز إدارة جديدة أكثر ميلاً إلى الدبلوماسية.
في المقابل، تنفي طهران بشكل قاطع سعيها لامتلاك سلاح نووي، وتؤكد أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية، مشيرة إلى أن ما تقوم به من خطوات تخصيب اليورانيوم يندرج ضمن حقوقها المشروعة بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.
كما شددت القيادة الإيرانية على أن أي اعتداء جديد من إسرائيل أو الولايات المتحدة سيُواجَه بردّ مباشر وغير مسبوق، لافتة إلى أن قدراتها الصاروخية اليوم "تتجاوز ما كانت عليه قبل حرب يونيو بأضعاف".
وبحسب نيويورك تايمز، فإن إيران تعمل حاليًا على تطوير أنظمة إطلاق متزامنة تمكّنها من إطلاق أكثر من ألفي صاروخ دفعة واحدة لإغراق الدفاعات الإسرائيلية، وهو ما يُعدّ نقلة نوعية في قدرات الردع الإيرانية.
ويؤكد علي فائز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، أن "إسرائيل تشعر أن مهمتها لم تكتمل، لكنها لا تملك ضمانات للنصر في أي حرب جديدة"، مشيرًا إلى أن أي صدام مباشر قد يشعل المنطقة من الخليج إلى المتوسط.
نحو حرب إقليمية مفتوحة؟
التصريحات الإسرائيلية الأخيرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن التحولات الإقليمية المتسارعة، خصوصًا بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في غزة ولبنان وسوريا.
وتبدو تل أبيب اليوم كمن يبحث عن انتصار رمزي يعيد ترميم صورتها العسكرية والسياسية بعد الهزائم المتتالية، في حين تدرك أن إيران تمثل الركيزة الأهم في محور المقاومة، وأن ضربها يعني محاولة لتقويض هذا المحور من الداخل.
لكن في المقابل، تشير تقديرات الخبراء إلى أن المغامرة العسكرية ضد طهران ستكون انتحارًا سياسيًا وعسكريًا لإسرائيل، خاصة في ظل التغيرات الدولية وصعود محور موسكو–بكين–طهران الذي بات يمتلك أدوات ردع متقدمة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
إعلان إسرائيل نيتها إسقاط النظام الإيراني قبل نهاية ولاية ترامب يكشف حجم التنسيق العسكري والسياسي بين تل أبيب وواشنطن، ويعكس نزعة التصعيد التي قد تجرّ المنطقة إلى مواجهة شاملة لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
فبينما تراهن إسرائيل على عامل الوقت والدعم الأمريكي، تراهن إيران على صمودها الاستراتيجي وقدراتها الصاروخية وتحالفاتها الإقليمية.
وفي ظل هذه المعادلة، يبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة صدام مفتوح، قد تحدد ملامح النظام الإقليمي الجديد، بين محور المقاومة الصاعد ومشروع الهيمنة الإسرائيلي–الأمريكي المتراجع.