عقد الرئيس السوري أحمد الشرع اجتماعاً مطولاً مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، النائب براين ماست، في العاصمة الأميركية واشنطن، مساء الأحد، وذلك ضمن زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة.
اللقاء، الذي وُصف بأنه من أكثر الاجتماعات حساسية في مسار العلاقات السورية – الأميركية خلال المرحلة المقبلة، جرى في أجواء وُصفت بالإيجابية واستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، بحضور المنسق الاقتصادي السوري طارق نعمو وزوجته جاسمن نعمو، اللذين تولّيا الترتيب المسبق للقاء.
وخلال الاجتماع، أكد الرئيس الشرع على رغبة بلاده في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، مشدداً على التزام سوريا بمكافحة التطرف، والعمل على إعادة بناء الاقتصاد الوطني بما يعزز فرص التنمية والاستقرار الداخلي. وأشار إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً لتجاوز آثار الحرب وتحقيق بيئة مستقرة للتنمية.
من جانبه، ثمّن النائب الأميركي براين ماست ما وصفه بـ"الخطوات الإيجابية" في المسار السوري الجديد، داعياً إلى الاستمرار في الحوار حول الملفات الأمنية والسياسية التي تهمّ البلدين.
ويُعد اللقاء بين الشرع وماست الأول من نوعه على هذا المستوى منذ أكثر من عقد، في إشارة إلى بوادر تغيير في قنوات التواصل الرسمية بين دمشق وواشنطن.
من هو براين ماست؟
براين ماست هو نائب جمهوري في مجلس النواب الأميركي، يشغل حالياً منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية، ويُعرف بمواقفه الحازمة تجاه قضايا السياسة الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط.
ولد ماست في ولاية فلوريدا، وله خلفية عسكرية بارزة؛ إذ خدم في الجيش الأميركي وفقد ساقيه خلال خدمته في أفغانستان. وبعد تقاعده، واصل نشاطه السياسي، وتطوع لاحقاً في الجيش الإسرائيلي لفترة قصيرة، في خطوة أثارت حينها جدلاً واسعاً في الأوساط الأميركية.
رؤيته السياسية تجاه سوريا
يتبنى ماست نهجاً متشدداً حيال الملف السوري، إذ يرى أن السياسة الأميركية يجب ألا تقتصر على محاربة تنظيم داعش، بل أن تشمل ما يسميه "تفكيك النفوذ الإيراني والروسي" في سوريا.
ويحدّد ثلاثة أهداف رئيسية للسياسة الأميركية في هذا الملف:
ضمان هزيمة دائمة للتنظيمات الإرهابية.
دعم حلّ سياسي تحت إشراف الأمم المتحدة يفضي إلى تشكيل حكومة جديدة.
إخراج جميع القوات التي تقودها إيران من الأراضي السورية.
وفي هذا الإطار، قدّم ماست مشروع قرار في الكونغرس أدان فيه النظام السابق في سوريا وداعميه من روسيا وإيران، مشدداً على ضرورة العمل نحو انتقال سياسي شامل ومستدام، ومعتبراً أن موسكو "شريك غير موثوق" في هذا المسار.
موقفه من الأكراد والعقوبات
يُعرف ماست بدعمه العلني لإقامة كيان كردي مستقل داخل سوريا، تقديراً لما يعتبره "دوراً محورياً للأكراد في مواجهة تنظيم داعش". وهو موقف يتعارض مع الرؤية التي تؤكد على وحدة الأراضي السورية.
كما يعد من أبرز المدافعين عن استمرار قانون قيصر والعقوبات المفروضة على سوريا، معتبراً أن رفعها يجب أن يكون مشروطاً بالتزامات سياسية وأمنية محددة.
وخلال تصريحات سابقة لصحيفة ذا هيل، شدّد ماست على أن معارضته لإلغاء قانون قيصر "واضحة ولا تقبل الالتباس"، مؤكداً ضرورة استمرار الضغط السياسي والاقتصادي حتى بعد سقوط النظام السابق، لضمان ما يسميه "التزام سوريا بالمعايير الدولية الجديدة".
التأثير الإسرائيلي في مواقفه
بحسب تقارير إعلامية أميركية، فإن مواقف ماست تتقاطع في كثير من الأحيان مع مصالح تل أبيب، إذ يُعرف بعلاقاته الوثيقة مع مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي رون ديرمر. وتشير مصادر في الكونغرس إلى أن ماست وعضو مجلس الشيوخ ليندسي غراهام استجابا لضغوط إسرائيلية للحيلولة دون إلغاء العقوبات على سوريا، رغم مساعٍ من بعض الدوائر الأميركية السابقة في إدارة ترامب لإعادة النظر فيها.
ويُنظر إلى ماست اليوم كأحد أبرز الشخصيات الجمهورية المؤثرة في صياغة سياسة واشنطن الشرق أوسطية، ولا سيما ما يتصل بالعلاقات مع سوريا وملفات الأمن الإقليمي، الأمر الذي يمنح لقائه بالرئيس الشرع أهمية سياسية استثنائية، قد تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول مستقبل العلاقات بين البلدين في مرحلة ما بعد الحرب.