شهدت بيروت سلسلة لقاءات مكثفة بين وفد من وزارة الخزانة الأميركية ومجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، برئاسة سيباستيان غوركا، وعدد من المسؤولين اللبنانيين، في إطار متابعة ملف الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وضبط الحدود ومكافحة تبييض الأموال.
الوفد الأميركي الذي شمل شخصيات بارزة من مجلس الأمن القومي، التقى كلاً من رئيس الحكومة نواف سلام، وزيري الداخلية والعدل، إضافة إلى رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، في جولةٍ بدت أقرب إلى تقييم ميداني لمسار الإصلاحات والتزامات الحكومة اللبنانية.
الحكومة تؤكد التزامها بالإصلاح والسيادة:
أكد رئيس الحكومة نواف سلام خلال لقائه الوفد الأميركي أن الحكومة ماضية في استكمال الإصلاحات وإعادة بناء مؤسسات الدولة وترسيخ سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، مشيراً إلى التقدّم في ضبط الحدود وتنظيم حركة الأشخاص والبضائع، ومشدداً على تعزيز الشفافية ومكافحة تبييض الأموال في القطاع المالي.
كما ناقش الجانبان انتشار الجيش اللبناني في الجنوب والمناطق الحدودية دعماً للاستقرار، إلى جانب جهود الحكومة في بسط سلطة الدولة في الموانئ البحرية والجوية.
تعاون أمني وتمويل الإصلاح:
في وزارة الداخلية، عرض الوزير أحمد الحجار أوجه التعاون الأمني مع الجانب الأميركي، مؤكداً التزام لبنان بمكافحة تبييض الأموال وتعزيز الشفافية المالية، مع أهمية استمرار دعم الجيش وقوى الأمن الداخلي للحفاظ على الاستقرار.
هذا الموقف تكرّر في وزارة العدل، حيث شدد الوزير عادل نصار على أن العلاقة مع الدول الصديقة مبنية على المصلحة الوطنية، وأن الدولة تسعى لحصر القوة تحت سقف القانون ومنع أي عمل خارج الإطار الشرعي، في إشارة ضمنية إلى ملف السلاح غير الشرعي.
ملف “القرض الحسن” وسلاح حزب الله في الواجهة:
أفادت قناة الجديد بأن اللقاء بين وفد الخزانة الأميركية ورئيس الحكومة تناول الشق التنفيذي من إجراءات ضبط تهريب وتبييض الأموال، بينما نقلت قناة الحدث عن مصادرها أن الوفد ركّز بشكل واضح على نزع سلاح حزب الله أكثر من الإصلاحات المالية.
المصادر نفسها أكدت أن الوفد الأميركي أبدى عدم رضاه عن تعامل الدولة اللبنانية مع مؤسسة “القرض الحسن” التابعة لحزب الله، محذّراً من أن لبنان قد يُترك لمصيره إذا لم يُحرز تقدماً ملموساً في ملف نزع السلاح وتنفيذ الإصلاحات المالية المطلوبة.
المعارضة تربط الإصلاح بالثقة الدولية:
من جانبه، بحث رئيس حزب الكتائب سامي الجميل مع الوفد الأميركي في المسار الإصلاحي والملف المالي، مؤكداً ضرورة مكافحة تهريب الأموال وتمويل الإرهاب وتم التوافق على أن استعادة الثقة الدولية بلبنان مرهونة بجدية تنفيذ الإصلاحات وإقرار القوانين المطلوبة، مع التحذير من تداعيات الفشل في هذا المسار على الاقتصاد والسياسة.
توضح الجولة الأميركية المتعددة المحطات تحولاً في مقاربة واشنطن للملف اللبناني، إذ بات واضحاً أن البعد الأمني والسيادي – خصوصاً ملف سلاح حزب الله – أصبح على رأس أولوياتها، بينما تُطرح الإصلاحات الاقتصادية والمالية كمدخلٍ لتثبيت هذه السيادة.
وفي المقابل، تحاول الحكومة اللبنانية إظهار التزامها بالإصلاحات مع تفادي المواجهة المباشرة مع حزب الله، مما يجعل المشهد محكوماً بتوازن دقيق بين الضغوط الأميركية ومتطلبات الاستقرار الداخلي.
ويبدو أن لبنان يقف اليوم أمام مفترق حاسم: إما الانخراط الكامل في مسار الإصلاح والسيادة المدعوم دولياً، أو مواجهة عزلة مالية وسياسية تهدد فرص التعافي.