قام وفد رفيع من وزارة الخزانة الأميركية بزيارة إلى لبنان، يقوده السيد جون كاي. هيرلي، الذي يشغل منصب “وكيل وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية”. تُعد هذه الزيارة مؤشّراً واضحاً على أن الاهتمام الأميركي بلبنان لم يعد مقتصراً على أبعاد اقتصادية بحتة، بل يأخذ بعداً أمنياً واستراتيجياً، لاسيما في ما يتعلّق بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال عبر أنشطة النقد والتحويلات.
لقد صدر بيان من وزارة الخزانة الأميركية يفيد بأن الاقتصاد النقدي اللبناني يُستغَل لتمويل جهات تُصنّفها واشنطن «إرهابية»، ما يعكس رغبة في تصعيد دور واشنطن الميداني في لبنان، بما في ذلك مراقبة الصرافين وتحويلات الأموال، وربط ذلك بانتهاك العقوبات الأميركية والإقليمية.
تأتي الزيارة في إطار حملة أميركية هي الأوسع من نوعها، والتي تُعرف بــ “الضغط الأقصى” على إيران ومحورها الإقليمي، ويُعد لبنان حلقة جوهرية فيها. أيضاً، توقيت الزيارة يُعدّ محوريّاً: فلبنان يمرّ بأزمة مالية خانقة، ما يجعل الإصلاح المالي والتحول الاقتصادي مسألة عاجلة، بينما تُطرح شروط أمنية وسياسية ضمن هذه العملية.
ووفقاً للمعلومات المتاحة، ستُطلق الولايات المتحدة مكتباً ميدانياً في لبنان — لمراقبة اقتصاد النقد وتحويلات الصرافة، بالإضافة إلى مراقبة الحدود البرّية مع سوريا للحدّ من عمليات التهريب المالي لصالح جهات تضعها واشنطن على قائمة المراقبة.
كما أن رفع مستوى الوفد بهذا القدر يحمل رسالة رمزية: أن لبنان ليس مجرد متلقٍ للدعم، بل أصبح ساحة تدخل مباشر ضمن خريطة النفوذ المالي-الأمني التي ترسمها الولايات المتحدة في المنطقة.
أبرز المشاركين في الوفد وبروفايلاتهم
1. جون كاي. هيرلي
الاسم: جون كاي. هيرلي
المنصب: وكيل وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية.
الخلفية المهنية: قبل تولّيه هذا المنصب، كان مديراً شريكاً في شركة “Cavalry Asset Management” التي تستثمر أساساً في شركات التكنولوجيا، وكان محاضراً في كلية إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد. (المهام ذات الصلة: هذا المنصب يُشرف على وحدة متخصصة داخل الوزارة تُعنى بمكافحة الإرهاب المالي وغسيل الأموال وتنفيذ العقوبات الاقتصادية. (
دلالة وجوده في لبنان: وجود هيرلي في لبنان يعني أن الزيارة ليست عابرة أو سطحية، بل تمثل أولوية أميركية عليا. الارتباط بين الاقتصاد النقدي اللبناني، الصرافة، الحوالات وبين أمن الدولة الداخلي والحدودي يُبرز أن لبنان يُنظر إليه كمكوّن أساسي في مشروع أميركي-مالي-أمني أكبر.
2. سيباستيان لوكاس غوركا
الاسم: سيباستيان لوكاش غوركا
الخلفية: بريطاني-هنغاري-أميركي، وُلد في لندن عام 1970
المناصب: عمل كمحلّل أمني ومستشار مكافحة إرهاب، وقد تمّ تعيينه في الإدارة الأميركية كمسؤول رفيع في شؤون مكافحة الإرهاب. (IGA)
الدلالة الأمنية: مشاركته في الوفد تعزز البعد الأمني للزيارة — إذ ليست المسألة فقط مالية أو مصرفية، بل مرتبطة بمكافحة الإرهاب وتمويله، وهذا ما يعزز الربط الأميركي بين التحويلات المالية والشبكات المعادية للأمن الوطني أو الإقليمي.
3. رودولف عطالله (“روودي”) أتالّا
الخلفية المهنية: ضابط سابق في القوات الجوية الأميركية (رتبة ملازم أول) خدم 21 عاماً، وتخصّص في مناطق العمليات الإفريقية والشرق أوسطية.
الدلالة في هذا السياق: وجوده في الوفد يوحي بأن النقاش لا يقتصر على الخطابات أو الحوارات فقط، بل يشمل البُعد الميداني والاستخباراتي: مراقبة الحدود، تدفق الأموال، الربط بين التحويلات والتهريب، وهذا ما يلائم ما ذكره النص عن مراقبة الصرافين والمعابر البرّية مع سوريا.
تحليل لماذا هذه الزيارة — الأسباب والدلالات
1. اطباق الخناق على تمويل الحزب من خلال اشراف اميركي مباشر يستغل المؤسسات الحكومية الللبنانية لمنع اقتصاد الكاش من تسهيل تمويل حزب الله وهذا يعني منع اقتصاد الكاش من خلال مضايقة المواطنين اللبنانيين وخنق تحويلاتهم النقدية لخدمة اسرائيل ولتحقيق هدف اسرائيلي تريده اميركا وتشرف اميركا استخباريا بشكل وقح على جميع المؤسسات اللبنانية المختصة
2. شروط إعادة التمويل أو التعاون المالي
الزيارة تمثل جزءاً من خطّة أميركية تربط مساعدات أو تعاون مالي مع لبنان بمدى التزامه بإصلاحات ملموسة: شفافية مصرفية، مكافحة غسل الأموال، تحوّل في سوق الصرافة. ضعف تنفيذ تلك الإصلاحات قد يُترجَم إلى عقوبات أو تجميد تعاون.
3. رسالة للطبقة السياسية اللبنانية
وفد بهذا الحجم والوزن يُرسل رسالة بأن الولايات المتحدة تراقب الوضع في لبنان وتتدخل بصورة مباشرة. لبنان أصبح ضمن دائرة النفوذ المالي-الأمني الأميركية، وليس فقط جهة تستلم مساعدات.
4. ربط الملف المالي بالملف الأمني
التركيز ليس على الاقتصاد النقدي فحسب، بل على من يُموّله، كيف يُستخدم، وما تأثيره على الاستقرار الداخلي أو الخارجي. زيارة وزير المال أو الخزانة وحده لا تعطي هذا البُعد؛ وجود هيرلي وغوركا و atal¬la يؤكد الدمج بين المال والأمن.
5. الضغط على الجهات التي تُعدّها واشنطن “غير دولة”
في لبنان هذا يشمل الشبكات التي تُصنّفها الولايات المتحدة بأنها تستفيد من التحويلات النقدية أو الصرافة — ما يجعل لبنان ساحة مهمة لكبح تدفق الأموال من إيران أو سوريا أو غيرهما.
6. بُعد رمزي واستراتيجي أكبر
لبنان، رغم صغر حجمه، يتداخل فيه اقتصاد نقدي هائل وتحويلات مالية، وعديد من المعابر الحدودية مع سوريا، ما يجعله هدفاً لعملية ضبط دولية. الزيارة تمثل “تثبيت موقف” ليس فقط للبنان، لكن للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
زيارة هذا الوفد الأميركي تُعدّ نقطة مفصلية في المسار اللبناني المالي-الأمني. ليست مجرد اجتماع بروتوكولي، بل إعلان بأن لبنان أصبح جزءاً من خريطة مؤسساتية أميركية للتمويل والمراقبة. وجود جون هيرلي في طليعة الوفد يوضّح أن الأولوية هي المال، لكن وجود غوركا وأتالّا يؤكد أن الأمن جزء لا يتجزّأ من المعادلة. لبنان أمام خيارين: أن يكون مشاركاً ومتحكماً بقراره، أو أن يُصبح متلقّياً لسياسات تُفرض عليه من الخارج. مرحلة مهمة تتطلّب وعياً وطنياً وقيادياً.