تبدأ الحكومة اليمنية تنفيذ واحدة من أكثر الخطوات حساسية في خطتها للإصلاح الاقتصادي، من خلال قرارها بتوحيد الحسابات العامة وإغلاق الحسابات الجانبية للمؤسسات في البنوك التجارية وشركات الصرافة.
هذه الخطوة التي تبدو في ظاهرها مالية، تحمل في عمقها أبعاداً سياسية واقتصادية متشابكة، تعكس صراع السيطرة على الموارد في بلد يعاني من انقسام إداري ومالي منذ سنوات الحرب.
خلفية القرار:
صدر تعميم وزارة المالية بإلزام كل الهيئات والمؤسسات العامة بتحويل أرصدتها إلى البنك المركزي اليمني وفروعه، كخطوة نحو ضبط الإيرادات وتوحيد الوعاء المالي للدولة، بعد أن ظلت أكثر من مئة جهة تعمل خارج النظام العام القرار جاء استجابةً لضغوط من المانحين وصندوق النقد الدولي لتنظيم الموارد ووقف الهدر المالي الذي ساهم في تضخم العجز وتآكل الاحتياطيات الأجنبية.
دوافع اقتصادية وسياسية:
من الناحية الاقتصادية، يمثل القرار محاولة لإعادة بناء الثقة في النظام المالي وإنعاش البنك المركزي الذي فقد كثيراً من دوره في إدارة النقد أما سياسياً، فيعيد فتح ملف الصراع بين الحكومة المركزية والمحافظات التي تسيطر على مواردها بشكل شبه مستقل، ما يجعل تنفيذ القرار اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على فرض سلطتها المالية في ظل تعدد القوى والنفوذ.
التحديات المتوقعة:
يرى خبراء أن التحدي الأكبر يكمن في مدى التزام المؤسسات الواقعة تحت نفوذ محلي أو سياسي، خصوصاً في ظل غياب الرقابة الفعالة وضعف الإرادة التنفيذية السابقة كما أن المحافظات المنتجة للموارد، مثل مأرب وحضرموت، قد تواجه القرار بمطالب تتعلق بتقاسم الإيرادات أو بمنح صلاحيات مالية أوسع مقابل الالتزام المركزي.
قراءة مستقبلية:
تشير المؤشرات المالية إلى أن الحكومة تواجه مأزقاً حقيقياً بعد تراجع الإيرادات إلى أقل من 12% من الناتج المحلي وبلوغ الدين العام أكثر من 100%. في هذا السياق، قد يمثل القرار محاولة أخيرة لاستعادة التوازن المالي ومنع الانهيار الكامل. لكن نجاحه لن يتحقق دون شفافية وآليات رقابية مستقلة وتوافق سياسي بين المركز والمناطق المختلفة.
بهذا، تبدو خطة توحيد الحسابات العامة أكثر من مجرد إصلاح إداري؛ إنها معركة لإعادة بناء الدولة من بوابة المال، في بلدٍ أصبح الاقتصاد فيه مرآة للصراع على السلطة أكثر من كونه مسألة أرقام وموازنات.