تشهد طرابلس تفاقماً غير مسبوق في ظاهرة التسوّل، التي أخذت أشكالًا متعددة، وأصبحت تمثل عبئًا على السكان والمارّة على حد سواء الأهالي يصفون الوضع بأنه تحوّل المدينة إلى مسرح مفتوح لاستغلال المتسوّلين، ولاسيما الأطفال والنساء، حيث يُمارس البعض الضغط بالقوّة على سائقي السيارات للحصول على الأموال، مهددين بالشتائم أو بالملاحقة، ما يخلق حالة من الفوضى في الطرقات المكتظة.
أحد أبرز أسباب انتشار الظاهرة هو الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ 2019، التي رفعت معدلات الفقر والبطالة، ما خلق بيئة خصبة لاستغلال الأطفال والمشرّدين وتحويل التسوّل إلى مصدر دخل شبه يومي لعائلات معينة ولفئات متورطة في هذا النشاط.
السكان أشاروا إلى أن هذه الممارسات لم تعد مقتصرة على المناطق العشوائية والشعبية، بل امتدت إلى الشوارع الأساسية مثل طريق المعرض وساحة التل وشارع عزمي، ما يعكس استغلال نقاط استراتيجية حيوية تجاريًا لزيادة العائدات.
مصادر البلدية توضح لوسائل إعلام محلية أن المتسوّلين ينقسمون إلى فئتين، الأولى محتاجون حقيقيون وغالبيتهم من كبار السن، أما الثانية فتتألف من شبكات منظمة تستخدم الأطفال والنساء لطلب الأموال بالقوة، ويعود جزء كبير من الأموال إلى هذه الشبكات التي تنسّق تحركاتهم بشكل ممنهج.
السيناريوهات المحتملة لمعالجة الظاهرة تواجه تحديات عدة، أولها استمرار الأزمة الاقتصادية وغياب حلول طويلة المدى للفقر والبطالة، ثانيها غياب قدرة الدولة على ترحيل أو إعادة تأهيل المتسوّلين، وثالثها استغلال الأطفال الذين يُرجّح أن يُستمرّ استغلالهم إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وحازمة.
على الأرض، شرطة البلدية تنفذ حملات دورية، أوقفت خلالها عدداً من المتسوّلين واتخذت الإجراءات القانونية بحقهم، لكن التحركات تُرى أنها غير مستمرة ولا تعالج الجهات المنظمة للظاهرة، ما يفسح المجال لاستمرار انتشارها. المواطنون يطالبون بإجراءات أكثر جدية تشمل تحديد أماكن إقامة الأطفال المشرّدين، وحملات توعية، وفرض الرقابة على شبكات الاستغلال، لضمان الحد من التجاوزات وتأمين الأمن في الشوارع.
طرابلس اليوم أمام اختبار مزدوج: مواجهة الظاهرة على الأرض وتوفير بدائل اقتصادية واجتماعية للأسر المستفيدة من التسوّل، وإلا ستستمر هذه الممارسة في الانتشار، مع تأثير سلبي على صورة المدينة والنظام العام وسلامة المارّة في الطرقات الحيوية.