عام على سقوط الأسد... تصاعد الاغتيالات والجرائم الانتقامية في سوريا

2025.11.09 - 02:36
Facebook Share
طباعة

 منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، تعيش سوريا واحدة من أكثر مراحلها دموية واضطرابًا منذ اندلاع الثورة قبل أكثر من عقد. فمع انهيار مؤسسات الدولة وتفكك الأجهزة الأمنية، انفجرت موجة غير مسبوقة من أعمال القتل والانتقام، حوّلت البلاد إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات والانتهاكات الممنهجة.

التحقيقات الميدانية والبيانات الحقوقية تشير إلى أن ما يجري ليس مجرد حوادث متفرقة، بل عنف منظم يعكس انهيار منظومة العدالة وتفشي ثقافة الإفلات من العقاب. ويبدو واضحًا أن غياب أي سلطة مركزية رادعة، فتح الباب أمام جماعات محلية وميليشيات مسلحة لتنفيذ أجندات طائفية وانتقامية، ما يهدد وحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي.

 

أنماط العنف بعد سقوط النظام

منذ الأيام الأولى لانهيار النظام، ظهرت أنماط جديدة من العنف في مختلف المحافظات السورية. عمليات التصفية الجسدية، والإخفاء القسري، والقتل على الهوية، باتت مشاهد يومية في مدن كحمص وحماة واللاذقية وطرطوس. هذه الممارسات اتخذت في كثير من الأحيان طابعًا طائفيًا واضحًا، في ظل غياب سلطة قضائية تحاسب أو تردع.

التوثيقات الميدانية أظهرت أن الكثير من الجرائم ارتكبت بدوافع انتقامية مرتبطة بمرحلة ما قبل سقوط النظام، حيث استهدفت أشخاصًا كانوا ينتمون إلى مؤسسات أمنية أو موالية للنظام السابق، إضافة إلى مدنيين لم يكن لهم أي ارتباط سياسي مباشر.

 

حصيلة الضحايا حتى نوفمبر 2025

منذ سقوط النظام وحتى الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2025، تم توثيق مقتل 1301 شخص في عمليات انتقامية، بينهم 22 طفلًا و40 سيدة.
تركزت هذه الحوادث بشكل رئيسي في المحافظات الوسطى والساحلية، وتوزعت كالتالي:
في حمص سُجلت 409 حالات قتل، تليها حماة بـ293 حالة، ثم اللاذقية بـ124، وطرطوس بـ83، وريف دمشق بـ113، في حين شهدت دمشق 55 حالة، وحلب 120، ودرعا 56، ودير الزور 12، وإدلب 27، والسويداء 9.

كما أُكد أن ما لا يقل عن نصف هذه الجرائم، تحديدًا 700 تقريبًا، حملت طابعًا طائفيًا صريحًا، لا سيما في حمص وحماة واللاذقية وطرطوس، وهي المحافظات التي شهدت أكبر موجات من القتل الانتقامي على خلفيات مذهبية.

 

تصاعد تدريجي في معدلات القتل

ورغم مرور قرابة عام على سقوط النظام، فإن وتيرة القتل لم تتراجع. فقد تم تسجيل 160 جريمة خلال الأسابيع الأخيرة من عام 2024، ثم 194 في كانون الثاني/يناير 2025، و113 في شباط/فبراير، و144 في آذار/مارس، و137 في نيسان/أبريل.
أما في أشهر الصيف فاستمرت الجرائم بوتيرة مرتفعة: 110 في أيار/مايو، 105 في حزيران/يونيو، 92 في تموز/يوليو، و97 في آب/أغسطس، لتبدأ بالتراجع الطفيف في أيلول/سبتمبر (70) وتشرين الأول/أكتوبر (67)، وصولًا إلى 12 جريمة فقط حتى الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر.

ورغم هذا التراجع النسبي، يؤكد مراقبون أن السبب لا يعود لتحسن الوضع الأمني، بل لانتقال بؤر الصراع إلى مناطق محددة تسيطر عليها قوى أمر واقع فرضت شكلًا من أشكال "الأمن القسري".

 

عام دموي شامل: 11226 قتيلًا خلال 11 شهرًا

تشير البيانات الحقوقية إلى أن الفترة بين كانون الأول/ديسمبر 2024 وتشرين الثاني/نوفمبر 2025 شهدت مقتل 11226 شخصًا في أنحاء سوريا، بينهم 8654 مدنيًا، من ضمنهم 487 طفلًا و657 سيدة.
كما سُجّلت 3059 عملية إعدام ميداني، ما يجعلها واحدة من أكثر الفترات دموية منذ اندلاع الصراع.

كانت ذروة العنف في آذار/مارس 2025 حين قُتل 2644 شخصًا، معظمهم في محافظات حلب وحمص ودير الزور. كما شهد شهرا كانون الثاني وتموز أعدادًا مرتفعة (أكثر من 1100 و1700 قتيل على التوالي)، بينما تراجعت الأرقام تدريجيًا في أواخر العام.

 

خلفيات القتل وأسباب التصعيد

تحليل أنماط العنف يُظهر أن أسباب القتل تنوعت بين الصراعات الطائفية والاقتتال المحلي والثأر العشائري، إضافة إلى نشاط الجماعات المسلحة والتنظيمات المتطرفة.
فقد قُتل 426 مدنيًا نتيجة إطلاق نار عشوائي أو اشتباكات محلية، بينهم 81 طفلًا. كما أودت الألغام والعبوات الناسفة بحياة 73 مدنيًا، بينهم 16 طفلًا.
وتسبّب القصف التركي بمقتل 129 شخصًا، بينهم 29 طفلًا، فيما أدى القصف الإسرائيلي إلى سقوط عشرات القتلى في مناطق متعددة.

في المقابل، ما تزال العديد من المناطق تشهد عمليات انتقام ضد عناصر سابقة في أجهزة الأمن أو الجيش، وأخرى بدافع الانتماء المناطقي أو الطائفي، في ظل غياب تام لأي محاسبة قانونية أو رقابة مركزية.

 

غياب العدالة وانهيار الدولة

يُجمع مراقبون وناشطون حقوقيون على أن انهيار مؤسسات العدالة بعد سقوط النظام خلق فراغًا واسعًا سمح بانتشار الفوضى والانتقام.
فالمجالس المحلية والقوى المسيطرة لم تستطع حتى الآن بناء جهاز قضائي موحّد، فيما بقيت أجهزة الشرطة الوليدة محدودة التأثير ومنقسمة تبعًا للانتماءات المناطقية.

وتحذر منظمات حقوقية من أن استمرار هذا الواقع قد يقود البلاد نحو مرحلة “لبننة” أو “صوملة” الصراع السوري، حيث تتحول خطوط التماس إلى حدود بين كانتونات متصارعة، ويصبح العنف أداة للتعبير عن السلطة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 3