الضفة تغلي من جديد بعد استشهاد شاب في الفارعة

2025.11.09 - 08:14
Facebook Share
طباعة

 في مشهد يتكرر كل يوم في الضفة الغربية، لكنّه لا يفقد شيئاً من ألمه، استشهد الشاب عبد الرحمن أحمد عباس دراوشة (26 عاماً) مساء السبت برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم الفارعة جنوب مدينة طوباس، في تصعيد جديد يكرّس واقع الاحتلال اليومي الذي يعيشه الفلسطينيون منذ بدء حرب الإبادة على غزة قبل أكثر من عامين.

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن دراوشة أصيب إصابة حرجة خلال اقتحام إسرائيلي للمخيم، قبل أن يُعلن عن استشهاده في مستشفى طوباس الحكومي، ليرتفع بذلك عدد الشهداء في الضفة الغربية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أكثر من ألف وستين شهيداً، وفق إحصاءات رسمية فلسطينية.

اقتحامات ممنهجة وبيوت منقوضة

لم يكن مخيم الفارعة وحده في مرمى نيران الاحتلال؛ فقد شملت الاقتحامات الإسرائيلية، خلال الساعات الماضية، مدناً وبلدات عدّة في الضفة، أبرزها يطا جنوب الخليل، ومخيم العروب شمالها، وقرية عجة جنوب جنين، وبيت جالا في بيت لحم، وكفر قدوم شرق قلقيلية.

وخلال هذه الاقتحامات، داهمت قوات الاحتلال منازل عدد من الأسرى المحررين والمبعدين ضمن صفقة “طوفان الأحرار” التي أبرمت مؤخراً، في مشهد اعتبرته مؤسسات حقوقية فلسطينية “استهدافاً انتقامياً واضحاً لمن شملهم الاتفاق الأخير”.

مصادر محلية في كفر قدوم أفادت بأن القوات الإسرائيلية حطمت أبواب عدد من المنازل وعبثت بمحتوياتها، كما اعتدت على سكانها بالضرب، في وقت أغلقت فيه المداخل الرئيسة للبلدة، ومنعت تنقّل الأهالي.

رسالة القوة الميدانية

يرى مراقبون فلسطينيون أن تصعيد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية يحمل رسائل سياسية وعسكرية متداخلة، أبرزها محاولة استعادة هيبة الردع التي فقدها الاحتلال بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي دخل حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2025.

ويؤكد هؤلاء أن إسرائيل تسعى عبر هذه العمليات إلى منع إعادة تنظيم القوى الفلسطينية في الضفة بعد تراجع التصعيد في غزة، مستغلة حالة الهدوء النسبي لفرض معادلات ميدانية جديدة، خصوصاً في شمال الضفة الذي يشهد نشاطاً متزايداً للمجموعات المسلحة المحلية.

أرقام تصرخ

الأرقام الفلسطينية الرسمية تكشف حجم المأساة المستمرة:

1069 شهيداً في الضفة الغربية منذ أكتوبر 2023.

أكثر من 10 آلاف جريح جراء الرصاص الحي والغاز والقنابل.

ما يزيد على 20 ألف معتقل في سجون الاحتلال، بينهم 1600 طفل.

أما في غزة، فقد خلفت الحرب التي استمرت لعامين أكثر من 69 ألف شهيد و170 ألف جريح، قبل أن تتوقف العمليات العسكرية بموجب اتفاق هش لوقف إطلاق النار برعاية دولية.

هذه الأرقام، وفق محللين، لا تعبّر فقط عن حجم الخسائر البشرية، بل عن عمق الأزمة الإنسانية والسياسية التي تعصف بالأراضي الفلسطينية، حيث لا تبدو آفاق الحل قريبة في ظل استمرار الاحتلال والانقسام الداخلي.

الضفة.. الجبهة الصامتة التي لا تهدأ

رغم أن الأنظار الدولية ما زالت تتجه نحو غزة، إلا أن الضفة الغربية تحولت عملياً إلى جبهة موازية تشهد اقتحامات واعتقالات يومية، في وقت تعجز فيه السلطة الفلسطينية عن فرض سيطرتها الكاملة أو حماية السكان من الانتهاكات المتكررة.

ويؤكد محللون أن استمرار عمليات الدهم والاعتقال واستهداف الأسرى المحررين، ينذر بانفجار جديد في الضفة، قد يعيد خلط الأوراق الأمنية والسياسية، خاصة مع تصاعد دعوات الفصائل للرد على جرائم الاحتلال.

الكاتب والمحلل السياسي عبد الستار قاسم يرى أن “إسرائيل تنتهج سياسة ممنهجة لإبقاء الضفة في حالة احتقان دائم، لأنها تدرك أن أي استقرار هناك يعني إعادة بناء القوة الفلسطينية”. ويضيف أن “الاقتحامات المتكررة هي وسيلة لضبط المشهد ومنع تبلور أي بنية مقاومة جديدة”.

شهيد الفارعة.. رمز لجيل لم يعرف الهدوء

استشهاد عبد الرحمن دراوشة ليس حادثاً معزولاً في سجل الصراع، بل هو امتداد لمسار طويل من المقاومة اليومية في المخيمات الفلسطينية، التي باتت عنواناً للثبات في وجه الاحتلال.

شبان المخيم الذين ودعوه في جنازة غاضبة قالوا إن “الفارعة لا تنام على دم شهيد”، مؤكدين أن ما يجري في الضفة ليس “ردود فعل عشوائية”، بل صراع مفتوح على الوجود والكرامة.

خاتمة: الضفة بين الألم والاحتمال

في ظل انسداد الأفق السياسي، يبدو أن الضفة الغربية تسير على خيط رفيع بين الانفجار الكامل والهدوء المؤقت المفروض بقوة السلاح.
أما استشهاد دراوشة، فهو تذكير جديد بأن النزف الفلسطيني لا يتوقف، وأن ما يجري في الفارعة اليوم قد يتكرر غداً في جنين أو نابلس أو الخليل، ما لم تتغير المعادلة التي تسمح باستمرار القتل دون مساءلة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 2